القتل على الهوية

من أهم شعارات حركة الإخوان المسلمين، التي طالما عملوا بها على مدى 90 عاما، شعار الموت في سبيل الله أسمى أمانينا! ولا أدري لماذا لا تكون المحبة أو الخير في سبيل الله اسمى أمانينا؟! ولماذا لا يكون اكتساب المعارف والقيام بالاكتشافات التي تفيد البشرية، واختراع الأدوية، والقضاء على الأوبئة، وتخفيف معاناة ملايين البشر، اسمى امانينا؟ لماذا فقط الموت؟! ومن يقرر متى وكيف ولماذا نموت، ونميت الغير معنا؟! هل يكفي أن يتخذ أحد قراراً بالموت، لهدف ما، ان يميت نفسه والآخرين معه؟! أين جمال الحياة، أين الحق في أن نعيش، ونسعى في الأرض، ونحييها بعد ممات؟!

إن القتل على الهوية الدينية قديم قدم الأديان نفسها، ومع هذا لم تستطع اي جهة القضاء على المناوئين لها! فقد حارب غلاة المسلمين الزرادشتية طويلا، كما حاربوا الدروز والعلويين، وفعل الشيعة والسنة ببعضهم البعض ما لا يخطر على بالٍ، خاصة في السنوات القليلة الماضية، ولكن بعد أكثر من الف عام من هذا القتل، لا تزال جميع هذه المعتقدات حية في قلوب اتباعها، ولم يُفنِ أحدٌ أحدا.

تقول الزميلة رشا ممتاز، تعليقا على أحداث بروكسل الأخيرة؛ انها سكنت وزوجها في شقة تقع في ما يسمى بالأحياء العشوائية. وتقول إنها فوجئت بنظافتها وهدوئها، مقارنة بأفضل احياء القاهرة، ثم عرفت تاليا ان العشوائية تعود لعقليات من يسكن تلك المناطق، من عرب ومسلمين. وكيف أنهم تفننوا في اقتراف الجرائم والموبقات بحق الفرنسيين، وتبريرها بكفر هؤلاء! وتقول ان تبريراتهم أنهم يُجْرِمُون بسبب ما يتعرضون له من ظلم على يد السلطات، تبرير واهٍ. فهناك اقليات آسيوية وغيرها تسكن تلك الأحياء ولا ترتكب ما يرتكبه العرب من جرائم. وتقول ان السبب في إجرام مسلمي باريس يعود إلى حقيقة أنهم مازلوا سجناء العقلية المكبلة الضعيفة الغارقة في الخرافة والغيبيات البعيدة عن العقل والمنطق، التي تمجد الموت وتكره كل مظاهر الحياة، التي ترى الحاضر والمستقبل بعيون ونصوص ومرجعية الماضي، والتي لا تعترف بأننا جميعا بشر لنا حقوق وحريات مقدسة، بغض النظر عما يفرقنا، وهي العقلية التي يمكنها ان تحول الإنسان الى أشلاء متطايرة، فقط لانها ترى ان هناك نصا تعتقد بانه يدعوها الى كراهية المختلف عنها، العقلية المنغلقة على ذاتها الغارقة في التراث التي تنتفض وتثور وتسيِّر المظاهرات وترفع السلاح، لا لتنتصر لواقعها البائس وانسانيتها المهدورة، بل لكي تثأر فحسب، وما زلنا غارقين في تلك العصور بكل عنفها وقصورها، وهو العنف الذي كشفت الأحداث الأخيرة الغطاء عنه، لنرى الإخوان وفلولهم من داعش والقاعدة، وهم يديرون حروب المنطقة الدينية والطائفية كافة. كما مازلنا نصوغ المبررات لنمد اجل العصور الوسطى، وندعي ان كل ذلك العفن المتراكم هو مؤامرات غربية علينا هرباً من مواجهة الحقيقة المرة، متناسين أننا في الحقيقة نخشى الحداثة، ونخاف التطوير، ونكره التنوير، ونعادي العلمانية ونحارب الليبرالية.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top