الخاص والعام
بدأ التعليم في الكويت خاصّا، ولم تساهم الدولة فيه عند تأسيس أول مدرسة نظامية في الكويت عام 1912. وكان التعليم قبلها، واستمر بعدها في عمومه بدائيا من خلال كتاتيب، يقوم فيها «الملا، أو المطوعة» بتعليم الصبية والبنات دروساً دينية ولغوية متواضعة، وكان أول معلم معروف هو محمد بن فيروز، كما ورد في بعض المراجع.
مبادرة بناء المدرسة المباركية كانت شعبية، ولكن جهود جمع المال المطلوب لبنائها، وكان في حدود 80 الف روبية، تعرقلت، فاقترح البعض الاستعانة بأثرياء الكويت في الهند، فتم الاتصال بقاسم وعبدالرحمن الإبراهيم، المعروفين بكرمهما، فتبرعا بأكثر من ثلثي المبلغ المطلوب، وكان شرطهما أن يكون التعليم فيها عصريا، ولا يقتصر على المواد الدينية.
لا يوجد ما يوضح كيفية وتاريخ انتقال إدارة المدرسة للحكومة وبداية الصرف عليها، ولا بد أنه جاء بعد الكساد الكبير الذي اصاب المنطقة مع انهيار اسعار اللؤلؤ.
بعد المباركية بعشر سنوات تقريبا قام الوجيه شملان بن سيف، وكان من كبار من تبرع لبناء المباركية، بافتتاح مدرسة السعادة، وكان ذلك في حي أو فريج «ابن خميس» في منطقة الشرق وكان أحمد الخميس أول ناظر لها، ولكن كساد اللؤلؤ أضر بها فأقفلت عام 1934. وفي عام 1938 قام وجهاء شيعة ببناء المدرسة الجعفرية، التي تعتبر اليوم أقدم مدرسة خاصة لا تزال تعمل، وكان لمحمد رفيع معرفي الدور الأكبر في تأسيسها. وعلى الرغم من انني لم أعرف يوما بالدقة أين كانت تقع، فإنني كنت ألمس مستواها العالي، وأنا صغير، من مستوى الطلبة الذين كانوا يلتحقون بالمدارس الحكومية ليكملوا دراستهم، حيث كانوا جميعا أفضل منا في الحساب واللغتين العربية والإنكليزية.
وذكرت في مقابلة أجراها الإعلامي المعروف يوسف الجاسم أن التعليم الخاص لم يلق، تاريخيا، ما يكفي من اهتمام حكومي، وربما يشمل ذلك التعليم العام، بخلاف الصرف المالي عليه. والسبب أن مدارس التعليم الخاص كانت لـ «الأجانب»، وتعليم ابناء هؤلاء ليس من مهام الحكومات، ولكن مع الارتفاع المستمر في جودة مخرجات المدارس الخاصة الذي صاحبه، وإن بوتيرة أعلى، انحدار مخرجات المدارس الحكومية، انقلب الوضع، حيث اصبحت غالبية طلبة الخاص من ابناء المواطنين. ويعتقد أن سبب تخلف التعليم العام يعود أساسا الى غياب سياسة تعليم وطنية واضحة، ما سمح للتيار الديني بالسيطرة على مفاصل التعليم على مدى ثلاثة عقود، ووقف أي جهود إصلاحية، بحيث أصبح الوضع حاليا غير قابل تقريبا للإصلاح من دون دعم كامل من الحكومة وثورة تعليمية كاملة، تصاحبها حركة «تنظيف» الوزارة من كل فلول الأحزاب الدينية، ولو كانوا في إدارة النقليات!
والطريف، أو ربما الغريب، أن الحكومة لم تقم يوما بتعيين مدير لإدارة المدارس الخاصة من خريجي هذه المدارس أو الجامعات، وبالتالي كان موقف هؤلاء ــــ بشكل عام ومتوقّع ــــ سلبيا من فكرة ونظام التعليم الخاص، ربما لعدم إدراكهم ما يعنيه هذا النوع من التعليم، وحيوية دوره.
أحمد الصراف