المال السايب
عندما حضر أحد أفراد الأسرة المالكة في بريطانيا أمام القاضي ليسمع الحكم عليه في مخالفة مرور، قال له القاضي إن العقوبة عليه ستكون مضاعفة، لردعه مستقبلا عن ارتكاب المزيد، فهو قدوة لغيره، والقدوة يجب ان تكون اقرب للمثالية من غيرها!
* * *
دخلت الشرطة التايلندية معبدا بوذيا مترامي الأطراف قبل ايام، لاعتقال راهب شهير متهم بسرقة 40 مليون دولار. وسبق أن رفض الراهب فرا دهاماتشياو، المتهم بغسل أموال وبأن له صلة بابتزاز مبلغ الاتحاد الائتماني، تسليم نفسه للشرطة لكي تستجوبه. وتعتبر هذه أحدث فضيحة في سلسلة فضائح في السنوات الأخيرة ألقت بظلالها على رجال الدين البوذيين في تايلند.
يحدث هذا في دولة يعتنق غالبية سكانها البوذية، وهي ديانة مسالمة، وحتى الأمس القريب لم تكن لها علاقة كبيرة بالمواضيع المالية. كما أن غالبية رهبانها يعيشون حياة تقشف، وتجدهم يسيرون في الطرقات حاملين قصعات طعام يأكلون منها ما يضعه اتباعهم فيها من مأكولات متواضعة. لكن يبدو أن الفساد المالي وصل لبعض مؤسساتهم الدينية كما وصل لمؤسساتنا الدينية ولغيرها اليهودية والمسيحية، التي قام رجال دين فيها بجمع مئات ملايين الدولارات من اتباعهم المؤمنين، السذج غالبا، وصرفوها على ملذاتهم وحياة البذخ التي عاشوها، وعلى شراء اليخوت والطائرات الخاصة، ومع هذا استمر البعض منهم في رعاية كنائسهم، واختفى البعض الآخر من المشهد، مكتفين بما سرقوه، وسرقات أموال «المؤمنين» لا تزال سارية.
إن مثل هذه الأحداث يجب ان تلفت نظرنا إلى حقيقة أن العاملين في أي مشروع ديني، سواء تعلق بطباعة كتب دينية، أو رعاية دعاة، أو إدارة معهد ديني، هم كغيرهم من البشر، لهم أهواؤهم ونقاط ضعفهم، وبالتالي فإن قدسية العمل الذي يقومون به يجب ألا تجعلهم فوق المساءلة أو المحاسبة والمراقبة، بل يجب أن تكون اشد عليهم من غيرهم، لحساسية عملهم، ولتجنب إساءتهم للطبيعة الدينية للمهام التي يقومون بأدائها. فالمال السايب، أيا كان، وكائنا من كان صاحبه، معرض للسرقة والنهب متى ما غابت الرقابة عنه، وبالتالي علينا ألا نتردد في ممارسة التدقيق حتى على من يفترض الثقة بهم.
أحمد الصراف