الباكستاني والعجوز
كان يوماً مشمساً في «سنترال بارك» بمدينة نيويورك، عندما خرج كلب تبدو عليه الشراسة من خلف دغل صغير، وهجم على طفلة يريد الفتك بها، فقفز رجل على الكلب وخلص الطفلة منه، مستخدماً قلماً يحمله كسلاح، وترك الكلب جثة هامدة. تصادف وقتها مرور مصور يعمل في صحيفة محلية، فالتقط صور الحادث، وتقدم منه وشكره على مخاطرته بحياته، وطلب تصويره، وقال له إن صورته وتعليقاً على عمله البطولي سيظهران على الصفحة الأولى من الصحيفة، وسيكون المانشيت «بطل من نيويورك يخاطر بحياته وينقذ طفلة صغيرة من مخالب كلب شرس». فابتسم الرجل وقال للمصور إنه ليس من نيويورك، فقال الصحافي، لا بأس، سنغير المانشيت ليصبح: «مواطن أميركي شهم يخاطر بحياته لإنقاذ طفلة صغيرة من مخالب كلب مسعور!»، فقال الرجل، ولكني لست أميركياً، بل أنا من باكستان! فقال المصور الصحافي، من دون تردد، هنا سيصبح المانشيت: «مسلم من باكستان يعتدي على كلب أميركي ويصرعه بأداة حادة!».
هكذا أصبح حال المسلمين، ليس في أميركا فقط، بل في العالم أجمع، بعد أن أصبحت صورتهم مرتبطة بالإرهاب، وأصبح حتى جميل مواقفهم لا يعني شيئاً.
في نهاية شهر يونيو الماضي، وفي مدينة ديربورن هايتس بولاية ميشيغان، فقدت سيدة وعيها وهي تقود سيارتها، ولاحظ صاحب محل، وآخر ميكانيكي، أن السيارة تسير ببطء وتعبر الإشارة الحمراء، فركضا إليها ونجحا في إيقافها، وكسرا زجاج أحد أبوابها الخلفية، وأنقذا السيدة من الموت. وقال شاهد عيان لمحطة التلفزيون إنه رأى كيف أن المرأة كانت غائبة عن الوعي وزبداً أبيض يخرج من فمها، وكيف هرع «طارق الغربللي»، والذي كان يقوم بتصليح سيارة بالقرب من مكان الحادث، وصاحب محل، لتقديم يد المساعدة للسيدة المريضة، وقال طارق إنه سيفعل الأمر ذاته لإنقاذ أي كان.
المؤسف أن العمل الجميل، الذي قام به هذا المواطن الكويتي، مر من دون أن يلفت انتباه الكثيرين، في خضم كل هذا الجنون الذي تعيشه مجتمعاتنا، في الداخل والخارج!
* * *
في نهاية صلاة الأحد، وقف القس وسأل رعيته: كم هي نسبة من غفر منكم خطايا أعدائه؟ فارتفعت أيدي 80 % من الحضور، فأعاد السؤال بنبرة أقوى، هنا ارتفعت أيدي الجميع، إلا سيدة كبيرة في السن، فنظر إليها القس وسألها: سيدتي، ألست على استعداد لأن تغفري لأعدائك؟ فردت وابتسامة عذبة ترتسم على وجهها: ليس لدي أعداء، فبهت القس، وقال: هذا أمر غير عادي! كم تبلغين من العمر يا سيدتي؟ فقالت 98 عاماً، فقال القس: هذا مدهش! ثمانية وتسعون عاماً وليس لك أعداء، لماذا لا تأتي وتخبرينا السر، كيف لامرأة أن تبلغ هذا العمر وليس لها أعداء، فسارت السيدة نحو المنصة بخطوات صغيرة وبطيئة، والجميع حابس أنفاسه، بانتظار ما ستعلنه هذه العجوز اللطيفة من سر كبير، وعندما وصلت للمنصة، التفتت إلى الحضور، وقالت: لقد عشت أطول، فقد ماتوا جميعاً!
أحمد الصراف