العزيزان فرنسوا ومارك

الدول لا تدار من آلات بل من بشر، فكل تصرفاتها بإيعاز من شخص أو مؤسسة. ومن طبائع البشر الرغبة في التحكم في الآخر، جسديا، عاطفيا أو ماديا، وما الحب إلا نوع من التملك والرغبة في الاستحواذ على الحبيب. ورأينا كثيرا كيف قامت دول، كبيرة غالبا، بالتعدي ومحاولة تملك أو استعمار دول أصغر منها، إما لعداوة شخصية، أو طمعا في ثروة، أو لاستعباد شعبها. ومن هنا توسعت الدول، على حساب غيرها، وتكونت الإمبراطوريات، لتعود وتتفتت. وبالتالي، من المستهجن أن يقوم من سعت «أمته» لاستعمار دول الغير لقرون، باسم الدين أو القومية، وسكت عن كل أفعالها، وبررها، ثم ليأتي اليوم ويستنكر على الغير استعمار دولته، أو غيرها.

لست هنا في معرض الدفاع عن الاستعمار، أيا كان شكله، ولكن لكل أمر إيجابياته. فليس كل استعمار سيئ، ولو طال عمر الاستعمار في كثير من «الدول العربية»، لكانت أحوالها عامرة أكثر.

تعتبر اتفاقية «سايكس بيكو» التي وقّعت قبل 100 عام مثالا على الاتفاقيات التي نالها من «الثورجية» الكثير من النقد. كان تفاهما سريا بين فرنسا وبريطانيا، بعلم من روسيا القيصرية، لتحديد مناطق نفوذ كلتا الدولتين من تركة الدولة العثمانية، التي تهاوت مع نهاية الحرب الأولى. حصلت فرنسا، بموجب الاتفاقية، على حكم سوريا ولبنان والموصل، وحصلت بريطانيا على بغداد والبصرة والخليج وفلسطين. ولكن بعد الثورة البلشفية خرجت سرية الاتفاقية إلى العلن، ولكن تصديق مؤتمر لوزان عليها عام 1923 حصّنها، ونتيجة لها ظهرت تاليا إلى الوجود، لأول مرة، دول بحدود معترف بها، وهي العراق وسوريا ولبنان والأردن، مع إبقاء فلسطين تحت الانتداب.

وبالتالي، لم تكن هناك دول، بالمعنى المفهوم، في المنطقة قبل توقيع معاهدة سايكس بيكو، لنأتي اليوم ونلعن الاستعمار الذي قسّم دولنا، فالمنطقة كانت «سائحة» على بعضها، ومقسّمة، تحت حكم العثمانيين، ومن غير حدود معروفة. ولو تركت شعوبها لحالها، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فلربما قامت بينها حروب حدود شرسة.

كما ليس غريبا أن بريطانيا هي التي حثت الدول العربية على تأسيس الجامعة، كخطوة أولى للاتحاد بينها، ولكننا فشلنا في تحقيق ذلك. كما شجّعت اتحاد الإمارات، وضغطت على قطر والبحرين لتكونا جزءا منه، ولكنهما رفضتا. كما أن بريطانيا هي التي جعلت من الهند، ذات الولايات المتعددة الديانات والأعراق، دولة واحدة، قبل أن يقرر زعماء الدولة الجديدة تقسيمها لاثنتين، ومن بعدها لثلاث، وكان بإمكان بريطانيا أن تفتت الهند لعشرات الممالك، تحت حكم ملوكها، المهراجات، على قاعدة «فرق تسد»، ولكنها لم تفعل!

وهي التي رعت مؤتمر العقير، بين الكويت والسعودية والعراق، وكان لها فضل وقف حروب المنطقة على الثروات والأراضي، في غياب أي حدود معترف بها، وهي الاتفاقية التي خسرت فيها الكويت الكثير!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top