قوة لبنان وضعف الطائفة.. وليس العكس!
التقيت بصديق لبناني «مثقف»، على هامش معرض كتاب اقيم في مدينة عربية، واخذنا الحديث كالعادة الى الوضع السياسي المحتقن في وطنه، حيث مجلسه النيابي «العريق» بغرائب أطوار اعضائه مشلول تماما، ومجلس وزرائه متعب، نصف أعضائه «حردان»، ونصفه الآخر مرهون لغيره، والمنصب الأعلى في الدولة شاغر منذ أكثر من سنتين، وليس في الأفق ما يوحي بأن الوضع سيتحلحل قريبا، مع استمرار الصراع السياسي الداخلي وتأثره سلبا بحربي سوريا واليمن الأهليتين، واحتدام الصراع الحار والبارد بين قوتي المنطقة الكبريين، إيران والسعودية، في ظل تدهور عام لاقتصاد دول المنطقة وانتشار البطالة فيها، هذا غير الاختلاف الروسي والأميركي على مصير الدولة، بعد ان أصبح عدد المهجرين فيها يقارب نصف عدد المواطنين.
دخلنا في تفاصيل أكثر، وأصبح النقاش أكثر حدة عندما قال إن الشيعة، وهي الفئة التي ينتمي اليها «المثقف»، قد اصبحوا في لبنان القوة الأعظم، بعد أن كانوا في السابق على ايام الانتداب وما بعدها بعقود الفئة أو الطائفة المهمشة والأكثر ضعفا! وأن صوتهم الآن اصبح هو الأعلى، وأصبحوا اليوم يتحكمون في قواعد اللعبة السياسية، و.. و.. فقاطعته قائلا: إن قوة طائفته مستمدة اصلا من قوة «حزب الله» العسكرية على الأرض، وهي القوة الأكبر والأكثر تجهيزا بعد، وربما قبل قوة الجيش الوطني للبلاد، وليس هناك ما يدعو للفخر بذلك! كما أن ما جلبه اللبنانيون الشيعة من المهجر من ثروات كبيرة، واستثمارها في مختلف الأنشطة وبالذات العقارية، شكل العامل الثاني في قوتهم. كما تعتبر نسبتهم السكانية الكبيرة، التي هي في تزايد مستمر، العامل الثالث، ولكن جميعها عوامل مؤقتة وقليلة الأهمية نسبيا، ولا يمكن البناء عليها كثيرا. فالعامل العسكري سلبي عموما، وقد يضمحل متى ما رأت الدولة الداعمة، وهي هنا إيران، توقف دعمها. أما ثروات ابناء الطائفة فهي أيضا ذات تأثير مؤقت، وأصحابها سيهربون بها متى ما أحسوا أنها في خطر، هذا بخلاف انها مستثمرة بشكل كبير في عقارات لا تعني الكثير. أما عامل العدد فهو بشكل عام سلبي، وقد يشكل عبئا في المستقبل عليها، إن لم يحسن قادة الطائفة تدريب وتعليم أبنائها، ورفع مستواهم التعليمي والاجتماعي.
يقول سياسي صيني كبير إن بلاده تصدر آلاف أطنان الملابس إلى أميركا، وثمنها لا يساوي شيئا مقارنة بثمن طائرة حديثة تشتريها منها. وبالمقارنة لو نظرنا الى الوضع في لبنان، هو ونحن لسنا باستثناء، لوجدنا أن صناعاته الأساسية، وغالبية بنوكه الكبيرة، ومؤسساته الاستثمارية الكبرى، وفنادقه الشهيرة، ومستشفياته العالمية، وغالبية مناطقه السياحية، واشهر أطبائه، وكبار محاميه وأكاديمييه، وأفضل وكالاته التجارية، هم الذين يشكلون قوة لبنان الحقيقية على مر القرون، وليس السلاح او بضعة مليارات أو زيادة عدد الأفراد. ولو نظرنا الى سنغافورة وتايوان والنرويج وسويسرا وغيرها من الدول الصغيرة المساحة، القليلة السكان، لوجدناها على قائمة أكثر دول العالم قوة واحتراما وثراء، لأنها تمتلك من الإمكانيات العلمية والصناعية والأخلاق والشفافية والأمانة ما لا تمتلكه دول تكبرها عددا وعدة بعشرات المرات.
أحمد الصراف