«مشرط» الجرّاح المزيّف
أعترف بأن الشجاعة لسرقة بيوت الغير لا تنقصني، إن قررت سرقتها. كما لدي المعرفة في كيفية مراقبة تلك البيوت وتسلّق جدرانها، وفتح أقفالها.
كما لدي الجرأة على الاعتراف بأنني قادر على حياكة المزيف من القصص والأقوال، ونسبتها إلى آخرين، وانتحال شخصية الغير والاشتراك مع شهود الزور. ولا أعتقد انني عاجز عن اختلاس مال الجهة التي أعمل بها، او انتحال صفة رجل أمن أو رجل دين، مع كل ما يتطلبه الأمر من ارتداء ملابس خاصة وحفظ ما لذ وطاب من الأقوال.
كما يمكنني ادعاء معرفة الطبخ، للحصول على وظيفة طباخ، وأقصاها سيتم كشف أمري وطردي، بعد اكتشاف جهلي. هذا غير عدد لا يحصى من المهن الأخرى التي أستطيع ادعاء معرفتها وامتهانها لفترة قد تقصر وقد تطول، قبل كشف «جهلي». ولا أعتقد أنني شاذ هنا عن غيري، فلدى الكثيرين مثل هذه القدرات، ولكن تربيتهم وأخلاقهم وشعورهم بالمسؤولية تمنعهم من اقترافها، أو حتى التفكير في الإقدام عليها.
ولكني أعترف أيضاً بأن من الصعب، إن لم يكن من المستحيل عليّ، انتحال صفة طبيب أو جرّاح، أو منح نفسي لقب استشاري والقيام بإجراء عمليات تجميل صعبة جدا! هنا احتاج إلى قدرة عجيبة ونفسية مريضة وقلب أسد وعقل فأر وضمير ذئب، وأخلاق نصاب، وحتى لو اجتمعت كلها لدي، فإنني حتما سأتردد في الإمساك بــ «المشرط» وقطع اللحم البشري الحي وإجراء العمليات، فهذه تتطلب قدرات نصب عالية!
ولكن هذا ما حدث في بلد «المليون مخالفة، حيث ألقت السلطات القبض على طبيب انتحل صفة استشاري، وتسبب في قتل مواطن، وتسبّب أيضا في حصول مضاعفات خطيرة لعدد آخر كبير من الذين وثقوا به من المرضى، بعد تخديرهم وإجراء عمليات «أي حاجة» عليهم. كما أثبتت التحقيقات الأولية انه انتحل صفة استشاري، و«رئيس» قسم الجراحة التجميلية في مستشفى خاص ومعروف. كما تبيّن انه لا يمتلك تصريحا لمزاولة المهنة الطبية في الكويت، وغير مسجل بالتالي لدى وزارة الصحة، ولا حق له مطلقا في إجراء أي عمليات جراحية، تجميلية او غيرها، فكيف حدث ذلك؟!
ربما يتمكن هذا الرجل في نهاية الأمر من إثبات براءته ومغادرة البلاد، وقد يحكم عليه بالسجن لفترة طويلة جدا، ولكن هذا ليس موضوعنا، فهو ليس النصاب الأول في هذا المجال، فقد سبقه عدد لا بأس به من الأطباء المزيفين الذين أجروا عشرات العمليات ولا يعرف ما انتهى إليه مصيرها. ولا أزال أسأل نفسي: كيف امتلك هؤلاء الشجاعة للإمساك بــ «مشرط» الجراح وتقطيع أوصال البشر من دون أن يرف لهم جفن، او ينتابهم خوف من ان ينكشف أمرهم يوما؟ حقيقة لا أدري، ولكن هذا الطبيب وغيره من الأمثلة دليل آخر على مدى حاجتنا الى تدريس الأخلاق كمادة اساسية في مدارسنا الخاصة والعامة.
ولكن يبدو أن الحائط الذي نكلمه، أصبح يميل أكثر نحونا وآيلاً للسقوط علينا قريبا!
* ملاحظة: نذكر بالدعوة لحضور مناسبة توقيع كتابنا «كلام الناس.. ذكريات ومقالات»، في الساعة الــ 5 من مساء اليوم، في جناح دار ذات السلاسل، في أرض المعارض.
ويمكن طلب توصيل الكتاب، من خلال الاتصال أو رسالة «واتس أب»، لنبيل 99306124، أو جينا 66235731.
أحمد الصراف