البغل والفيل والقردة

اشترى رجل بغلاً وذهب الى جاره يطلب منه حبلاً ليربطه به، فاعتذر الجار، وقال له إن عليه لف يديه حول عنق البغل، وكأنه يربطه، وسوف يبقى البغل مكانه من دون حراك. في صباح اليوم التالي وجد الرجل البغل في مكانه فركبه للذهاب الى العمل، ولكن البغل رفض التحرك، فذهب ثانية الى جاره يطلب نصيحته، فقال له الجار إن عليه فك الحبل عن رقبة البغل، فاستهجن الرجل الطلب، وقال لجاره: هل تسخر مني، أنسيت أن لا حبل هناك؟! فرد الجار: نحن نعرف ذلك، ولكن البغل لا يعرف. ذهب الرجل وقام بعكس ما فعله في الليلة السابقة، وكأنه يفك القيد، فتحرك البغل!
وفي إحدى زياراتي الى الهند، وجدت في ساحة مجموعة من الفيلة، وأن جميعها تقريباً مربوطة بحبال بسيطة وقصيرة موصولة بأوتاد مثبتة في الأرض، يسهل على اي كان خلعها، فكيف بفيل قوي؟! فسألت السايس عن السر، فقال: إنهم اعتادوا ربط الفيلة وهي صغيرة بسلاسل حديد يصعب الفكاك منها، وأنهم يقومون تدريجيا، مع تقدم الفيل في العمر، باستبدالها بأخرى أقل طولا وقوة، ثم بحبال قوية، وبعدها بحبال بسيطة، ومع الوقت تتكون لدى الفيل فكرة بأنه لا يستطيع الحراك من مكانه، طالما أنه مربوط بوتد في الأرض.
وسبق أن تطرقنا في مقال سابق الى قصة القردة الخمسة التي وضعها عالم في قفص علق في سقفه موزاً، ووضع سلماً تحت الموز، وكيف أنه كان يقوم برش القردة بماء قوي وبارد كلما حاول أحدها تسلّق السلم والوصول الى الموز، وتكررت محاولاتها، وتكرر رشها بالماء، بحيث تكونت لديها قناعة بأن لا فائدة من المحاولة، وحرمت نفسها من الموز، لكي لا ينالها عقاب الرش بماء بارد. قام العالم بعدها بإخراج أحد القردة من القفص، ووضع آخر مكانه، وما أن حاول هذا الوصول الى الموز حتى هجمت عليه البقية وأوسعته ضربا، ثم قام العالم بإخراج قرد قديم ثان، وأدخل قردا جديدا مكانه. وعندما حاول هذا الوصول الى الموز قامت البقية بضربه، بما فيها القرد، الذي لم يعرف أصلا شيئا عن عملية رش الماء البارد! وهكذا استمرت عملية الضرب والمنع من الوصول الى الموز مع كل قرد جديد، إلا أن انتهى استبدالها باربعة منها، التي اشتركت جميعا في ضرب القرد الخامس الجديد، ومنعه من الوصول الى الموز من دون أن يعرف، الضارب والمضروب، السبب!
من كل ذلك يتبين اننا عادة ما نكون عبيدا لعاداتنا، وأحيانا كثيرة لتقاليدنا، وغالبا لقديم افكارنا، التي نعتقد أننا لا نستطيع لها تبديلا أو تغييرا، وهذا وهم كبير طبعا! فليس هناك امر ثابت، فقد تغير الكثير من القيم والعادات والتقاليد واندثرت بفعل التقدم والتحضر، وبعد اكتشاف إما انها غير عملية أو سخيفة او اصبح تنفيذها صعبا.
لو طلبت اليوم من شخص ما ترك تقليد أو عادة لرفض مجرد التفكير في الأمر، غير عالم أنه، هو وقومه، تخلوا عن عادات وتقاليد كثيرة، كانوا يعتقدون، قبل ما لا يزيد على ثلاثة أو اربعة عقود فقط، أنها من الثوابت.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top