طرد حسين

عندما كنت أرغب في تسلم رد على رسالتي في اليوم نفسه، أثناء عملي في بريطانيا، كنت أحرص على وضع الرسالة في الصندوق قبل التاسعة صباحاً، وكان الرد يأتيني قبل الخامسة مساء! ولا أعتقد أن الوضع تغير كثيراً الآن.
أثناء قراءتي أحد الردود على مقالي عن وضع البريد في الكويت، تذكرت ما سبق أن شاهدته في إحدى حلقات الممثل الكوميدي مستر بين mr bean، التي يقوم فيها بإرسال رسائل لعنوان بيته، ثم يبدي سروراً كبيراً في اليوم التالي لمشاهدتها تحت باب شقته، حيث يقول القارئ إنه شعر بالغبطة لخبر انتهاء الوزارة من تركيب صناديق بريد في منطقة سكنه، ولكن طلبه في الحصول على أحدها رفض! بالسؤال والإلحاح تبين أن المقاول ورد الصناديق، ولكن من غير مفاتيح. بعد عدة زيارات وإلحاح أكثر، قبل المسؤول تسليمه أحدها، بعد انتظار طال شهرين. وللدخول في أول تجربة في حياته، قام بإرسال رسالة لنفسه من بريد الشامية، ليشعر بالسرور لتسلمها من صندوقه الخاص، ولكن البريد خيّب ظنه، فلا يزال، ومنذ عشر سنوات، ينتظر وصول الرسالة.
ويقول آخر إنه احتاج لإرسال برقية عزاء لصديق بوفاة قريب له، وانه طاف على عدة مراكز بريد ولم يقبل أي منها إرسال البرقية.
وتقول القارئة أم حسين إن قريباً لهم في كندا أبلغهم بإرسال بعض الألعاب البسيطة لابنها، حسين، وأرسل لها صورة إيصال البريد الكندي. وتقول أم حسين إنها، ومنذ أشهر عدة، وهي تتردد على مراكز البريد في الروضة وكيفان والصفاة، والإيصال الرسمي بيدها، تبحث عن طرد ابنها الذي لم ينسه، منذ سنة كاملة!
في بريطانيا يرسل البريد ويصل الرد في اليوم نفسه، وفي الكويت تتغير السنة وينسى وكيل البريد تغيير الختم الذي تختم به الطرود مع السنة الجديدة، وتتوقف عملية تسلمها من الجمهور لأسابيع، لحين وردود الأختام الجديدة.
يقول القارئ علاء إنه على الرغم من كل الظروف الأمنية التي تمر بها أميركا، فقد حصل من سفارتها في الكويت على فيزا زيارة مدتها عشر سنوات، خلال فترة زمنية أقل بكثير من التي استغرقتها عملية إرسال طرد للخارج من خلال أحد مكاتب البريد!
هذا غير كم كبير آخر من شكاوى رجال أعمال وجمهور من مستخدمي البريد من سوء الخدمة واستمرار تدهورها.
إن مهمة تسلم وتوزيع البريد بدائية نسبياً، ولم تتغير أساسياتها، على مدى سنوات كثيرة، مقارنة بالخدمات الأخرى الأكثر تعقيداً، حيث لا يتطلب الأمر في الغالب أكثر من تسلم أكياس الرسائل والطرود من الخارج، وتوزيعها على صناديق بريد أصحابها أو تسليمها لعناوينهم، أو تسلم الرسائل والطرود من الجمهور، وفرزها وإرسالها للدولة المعنية!
وبالتالي، فإن الفشل في أداء هذه المهمة، شبه البدائية، لا يعود حتماً إلى نقص في عدد الموظفين أو الآلات، في وطن متخم بكل شيء، بل بسبب غياب الذمة والضمير والشعور بالمسؤولية. وبالتالي من الضروري جداً تطوير الخدمة جذرياً، وهذا ليس بالأمر الصعب، متى ما وجد الرجل المناسب لإدارتها، أو أن يتم تخصيصها، فبقاء الوضع على ما هو عليه أمر محزن ومخجل بالفعل!
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top