المتاجرون بأمراض الدولة
يتطلب فتح محل لبيع مواد غذائية قضاء فترة قد تطول لستة أشهر لإيجاد المكان ودفع الخلو وتأجير المحل، ومن ثم الحصول على موافقة كل الجهات المعنية، وغير ذلك من تعقيدات. ولا خلاف على صحة كل مطالب وزارات التجارة والصحة والبلدية، قبل فتح أي محل لبيع المواد الغذائية، لما في الأمر من خطر على الصحة العامة!
ولكن جمعية واحدة، تحسب على حزب ديني متشدد، وسبق أن دار لغط كبير حول سلوك معظم مجلس إدارتها بسبب ماتردد عن اختلاسات بالملايين لم يكشف النقاب عنها، استطاعت الجمعية فتح أكثر من 140 مقهى ومطعماً وكافتيريا، وحتى مراكز لبيع الهدايا والزهور، في كل مراكز ومستوصفات ومستشفيات وزارة الصحة، من دون أن تدفع فلساً للدولة، أو تحصل على ترخيص لمزاولة أعمالها.
فقد نجحت هذه الجمعية، التي يقتصر عملها على مساعدة المرضى، وليس الإساءة إليهم وانتهاك كل قوانين الدولة، في مزاولة أعمال تجارية واسعة بملايين الدنانير، من خلال شغل مساحات استراتيجية في صالات استقبال جميع المراكز والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، من دون مقابل ولا خلو ولا إيجار. كما تقوم بالحصول على كل احتياجاتها من الكهرباء والماء وخدمات النظافة والتسهيلات الأخرى لموظفيها وعمالتها من الدولة مجاناً!
وليس لدى هذه الجمعية أي تراخيص لمزاولة أنشطتها في بيع مختلف المواد الغذائية والأطعمة، المحضّرة في الموقع. كما أنها غير مجبرة على إخضاع عمالتها للفحص الطبي الضروري. كما لا تحتاج إلى موافقة الشؤون على حاجتها من العمالة، ولا للبلدية للكشف على أنشطتها، وهي خارج نطاق تغطية أي جهة حكومية رقابية، ولا تمتلك أي جهة سلطة عليها. فهل هذا من الأخلاق أو الدين؟
قد يعتقد البعض أن هذه الحوانيت أو المطاعم لا تهدف إلى الربح، أو أن أرباحها تذهب إلى الأعمال الخيرية، وهذا باعتقادي غير صحيح. فأغلبية هذه المحال، أو جميعها، كما يشاع، لا تدار من الجمعية، بل يتم تلزيم إدارتها للمحسوبين عليها! كما يقال إنها تشتري حاجتها من المواد الغذائية من جهات «مختارة». والمؤسف أن هذه المقاهي والمطاعم تبيع غالباً الرديء وغير الصحي من المواد الغذائية، وفي تعارض مع وجودها في المراكز الصحية.
وقد تحسبت الجمعية لليوم الذي سيعترض فيه البعض على احتكارها، أو على عدم قانونية أنشطتها، فقامت مؤخراً بفتح تلك الحوانيت والمطاعم تحت أسماء «إنكليزية»! ربما لإبعاد الشبهة عنها، ويقع أحد هذه المطاعم في احد المستشفيات.
إن بقاء الوضع على ما هو عليه مؤشر خطير على استغلال هذه الجمعية المريضة، وغيرها، للدين لتحقيق مآربها، ومعالي وزيرة الشؤون مطالبة بالتحرك ووقف هذا العبث. علماً بأن جهات في وزارة الصحة قامت بقطع التيار الكهربائي عن هذه المطاعم والمقاهي، ولكن وزير الصحة، المعني الأول بصحة المواطنين، أعاد التيار إليها!
إن الخطورة لا تكمن فقط في تبعات مخالفة هذه الجمعية لكل قوانين التجارة والبلدية والصحة، بل للتأثير السلبي لأنشطتها على الأخلاق العامة.
أحمد الصراف