الفارق الحضاري
المجتمع الكويتي، كغيره من المجتمعات العربية الإسلامية، مجتمع ذكوري ليس للإناث دور كبير فيه، إلا ما يريده الرجل لها، مع استثناءات قليلة. وبالتالي من النادر جداً رؤية نساء يقمن بمواجهة الرجال في المحاكم، بسبب انحياز أغلب التشريعات ضدها، خصوصاً ما تعلق منها بخصائص حياتها من زواج وطلاق ونفقة وحضانة، دع عنك الموقف الذكوري من بقية حقوقها كإنسانة، وهنا لا يقتصر الأمر على الزوج، بل يمتد غالباً ليشمل أباً جائراً أو أخا جاهلاً أو حتى ابناً عاقاً وسخيفاً! وليس غريباً بالتالي ملاحظة قيام غالبية، أو ربما كل الدول الإسلامية، بالتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع التحفظ على بنوده المتعلقة بحقوق المرأة، الإنسان الزوجة الأخت الأم والابنة!
ولهذا، كما قلنا، من النادر أن تخرج المرأة، المحافظة غالباً، عن محيطها الضيق وتراجع مكاتب المحاماة، وتدخل المحاكم، وتسيء لسمعتها وتتعرض للبهدلة بين مختلف درجات التقاضي وتتكلف الكثير من الوقت والمال، من رسوم قضائية، وأجور محاماة باهظة، لكي تأخذ حقها من الرجل، الذي أضر بها، لو لم تكن بالفعل تشعر بالغبن من تصرفه، وخيانته واستغلاله لظروفها، بسبب تشريعات محددة، أو عدم وجود ما يحفظ حقوقها.
نكتب هذا بمناسبة اللغط الكبير الذي دار حول تصرف البعض من عتاولة الحركات الدينية في البلاد، الذين لاكت سمعتهم، غير الحسنة أصلاً، الألسن والمسجات، بسبب تورطهم في قضايا استغلال ظروف نساء كانت لهم يوماً علاقة زوجية بهن، وقاموا بعدها بالتخلص منهن، بطريقة غير أخلاقية، بعد أن نالوا مرادهم منهن!
وعجيب أمر أعضاء اللجنة التشريعية، التي تهتم بأمور غير ذات أهمية، أو يضيع بعض أعضاء لجنة الظواهر السلبية وقتهم في البحث والجدال في توافه الأمور، وترك حقوق المرأة والطريقة المتعسفة التي تعامل بها، وهي التي تمثل نصف المجتمع وركيزته الأساسية، من دون التصدي لها وإنصافها من ظلم مثل هؤلاء «الرجال»!
كما يصبح سخيفاً قيام هؤلاء «العتاولة» باتهام الليبراليين والعلمانيين، الكفرة والمنحلين، بأنهم فاسدون في أخلاقهم، متناسين حقيقة أن الليبراليين، بشكل عام، أكثر «إنسانية منهم، وأكثر عدالة في التعامل مع المرأة، وأقل «استغلالاً» لظروفها، وكان الأولى بهم، وهم المتشدقون بالخلق القويم والفعل الكريم(!)، أن يكونوا أكثر فروسية في التعامل مع من قمن باستغلالهن لإشباع رغباتهم، ثم التنكر لحقوقهن بكل قلة حياء وانعدام مروءة.
وفي قول لاحد المشايخ، بأن المرأة تفتقد غدة ناقصة غير معروفة الاسم(!) ولهذا فهي لا تستطيع أن تتكلم وتفكر وتتذكر في الوقت نفسه! ولا أدري لماذا تذكرت هنا المستشارة أنجيلا ميركل وأنا أقرأ هذا الخريط، وقد يكون السبب أن الفارق الزمني بين قول سقراط والقول الآخر يبلغ 2500 عام، والذي ربما يمثل الفارق الحضاري بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم.
أحمد الصراف