خرابيط
أثناء تولي المرحوم خالد المسعود لحقيبة وزارة التربية والتعليم، في منتصف الستينات، أسس معهد المعلمين، ومنح كل طالب يلتحق به مبلغاً مجزياً، وكاد المبلغ يسقطني وقتها في الفخ. بسبب المكافأة، زاد عدد من التحق بالمعهد بشكل كبير، بحيث اضطرت الوزارة حينها إلى بناء شبرات، لاستيعاب كل ذلك الإقبال «الجميل» على واجب «الوطني المقدس».. وقف للمعلم…!.
واليوم، وبعد مرور نصف قرن، نجد أن المعهد، والتطبيقي تالياً، فشلا في تحقيق ولو %40 من مهامهما، هذا بخلاف سيطرة تيار الإخوان الخطير والمسيس على عقول أغلبية مكونات هذه النسبة المتواضعة. ولا أدري أين تسرب عشرات آلاف المدرسين الكويتيين الذين صرفت مئات ملايين الدنانير كمكافآت ومصاريف على تعليمهم وتدريبهم طوال هذه السنوات، بحيث لا نزال في أشد الحاجة إلى جلب مدرسين من الخارج.
وسبق أن صرّح وزير التربية وزير التعليم العالي السابق السيد بدر العيسى «بأن إجمالي عدد المعلمين الكويتيين الذكور العاملين في المراحل التعليمية الثلاث، المتمثلة بالابتدائية والمتوسطة والثانوية، يبلغ 6131 مدرساً، في حين يبلغ عدد المعلمين الوافدين في المراحل ذاتها 9939 مدرساً»، أي أن عدد الكويتيين أقل من %40 بعد 50 عاماً من افتتاح معهد المعلمين. ولكن الوزير استدرك قائلاً إن عدد المعلمات الكويتيات يبلغ 33265 معلمة، بينما يبلغ عدد الوافدات 14308 معلمات فقط، والأسباب طبعاً معروفة!
وأضاف الوزير أن التخصصات التي يقل فيها عدد المعلمين الكويتيين، هي اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، إضافة إلى الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء والجيولوجيا (ماذا تبقى، الألعاب الرياضية؟). وبالتالي، من المخجل حقاً أن نجد أن هناك فقط 100 مدرس رياضيات كويتي مقابل سبعة أضعاف ذلك من الوافدين، وأكثر من عشرة أضعاف للغة العربية، وفي الفيزياء 4 كويتيين مقابل 322 وافداً، وفي الكيمياء 19 كويتياً مقابل 312 وافداً… إلى آخر ذلك من أرقام كارثية. حتى في مادة التربية البدنية للإناث نجد أن هناك نقصاً في أعداد المدرسات الكويتيات.
إن الحكومة الرشيدة والشديدة هي المسؤولة عن هذه الكارثة. وبالتالي، من الغريب حقاً قراءة مقترحات بعض «النوائب» بضرورة فرض رسوم على تحويلات الوافدين، أو عدم صرف أدوية مجانية لهم، ومضايقتهم في معيشتهم، لتتقلص أعدادهم، فهؤلاء لم يأتوا إلينا عنوة لينهبوا أموالنا، بل جاء الكثيرون منهم ليغطوا العورات التي لم نستطع، طوال نصف قرن، تغطيتها!
وفي هذا السياق، أعلن عن قيام وفد من وزارة التربية بالسفر إلى فلسطين للتعاقد مع عدد من المعلمين هناك في مادتي الرياضيات والفيزياء، بعد مقاطعة استمرت منذ ما بعد التحرير، وتسببت في خسارة الجانب الفلسطيني للكثير مادياً، وخسارتنا للأكثر معنوياً، بسبب ما ابتلينا به من نوعية أغلبها مترد في أدائه ومستواه. وأعتقد أن الوفد سيعود غالباً خائباً، فما تعرضه السعودية وقطر من رواتب يبلغ ضعف ما تعرضه الكويت.
أحمد الصراف