وزارة القاسم المشترك الأعظم
لاكت الألسن سيرة وزير الصحة السابق، وحمّلته مسؤولية فساد وزارة الصحة، وصرف أكثر من ملياري دولار على نكتة العلاج في الخارج. وسكت مهاجموه، عندما خرج من الوزارة! ثم اتجهت الألسن نفسها إلى وكيل الوزارة د. السهلاوي، مطالبة إياه بالاستقالة، معتبرة إياه وراء فساد الوزارة، من دون تحقيق ولا محاكمة! فاستقال، وهنا صمت «دعاة الإصلاح».
لست في معرض الدفاع عن أحد هنا، ولكني أتساءل، هل بذهاب الرجلين أنهينا مسلسل الفساد، أم سيستمر، طالما بقيت حال الوزارة، والحكومة بالتالي، على ما هي عليه؟
لي مصالح مع وزارة الصحة، من خلال شركة أمتلك فيها نسبة، وبالكاد تحصل هذه الشركة على الفتات من احتياجات الوزارة من بعض المواد الطبية الاستهلاكية، كالأقطان الطبية والكفوف، وأسباب ذلك معروفة(!) أذكر ذلك لأبين أن لدي فكرة ما عن الكيفية التي تدار بها الأمور في هذه الوزارة المخيفة في حجمها وميزانيتها وعدد العاملين فيها، والتي تجعل من الصعوبة بمكان بقاء المسؤول فيها على تعففه ونظافته، وهو يرى كل هذا التكالب عليه، والفساد من تحته وفوقه وبين أضلعه، ومع عدد المتعاملين الضخم من الشركات والأفراد، من مزودي الوزارة بما تحتاجه من خدمات ومعدات ومواد، وما بينها من تنافس شرس، يجعل من مسألة استقامة المسؤول في الصحة مسألة أكثر من صعبة، خصوصاً إن عرفنا أن حاجة المواطن، بدءاً من رئيس الوزراء مروراً بالوزراء والشيوخ، وإلى أبسط مواطن، لخدمات هذه الوزارة لا تتوقف طوال العام، في الوقت الذي لا علاقة لهم بـ%90 من باقي وزارات الدولة، مع حاجة القلة للبعض منها كـ«العدل والتجارة والتربية والداخلية»، وتبقى العلاقة مع وزارة الصحة هي «القاسم المشترك الأعظم»، حيث تجمع الكبير والصغير، الغني والفقير، المواطن والمقيم، ولهذا دأبت الحكومات المتعاقبة، على استخدام خدمات الصحة كأفضل وسيلة لشراء ود أو ولاء أكبر عدد من النواب، فمن هو النائب «السوبر» الذي لم يحتج يوماً لنفسه أو لعائلته أو ناخبيه لخدمة ما تتراوح بين توفير علاج مجاني 5 نجوم في أفضل مستشفيات العالم بتكلفة تبلغ الملايين أحياناً، إلى إيجاد سرير لمريض في غرفة عمومية في مستشفى متهالك، وما بينها من خدمات متنوعة يحتاج إليها الجميع، لا سيما في وقت المرض والألم!!
وبالتالي، من الإنصاف الاعتراف بأن خراب الصحة لا يعود إلى خراب ذمم مسؤولي الوزارة بقدر ما يعود، وبنسبة أكبر، إلى الظروف التي وجد المسؤول نفسه فيها. فلكي نوقف فساد الصحة علينا وقف الفساد في الدولة نفسها، من خلال إعادة الروح لهيئة مكافحة الفساد، ونسف الطريقة التي تدار بها الوزارة، ووقف تدخل الكبار في شؤونها، وتحويل أجزاء كبيرة منها للقطاع الخاص، فهيكلها المتضخم الحالي داعم رئيسي لفساد مسؤوليها، وهو الهيكل الذي ساهم وزير سابق لها، بقي في منصبه سنوات، في خلقه، من دون أن يهتم بخلق كوادر لإدارة مستشفيات الدولة، وأصبحنا «الآن فقط» نفكر باستقدام شركات أجنبية لإدارة مستشفى جابر؟!
أحمد الصراف