نفحات المنفوحي
قمت، وبدعوة كريمة من المهندس أحمد المنفوحي، وبمعية أخوات وإخوة مهتمين بالشأن العام، بالاستماع إلى محاضرة عن «البلدية الجديدة».
ما شاهدناه على الشاشة، وسمعناه من كبار مسؤولي البلدية كان غريبا، بقدر ما كان مفرحا. أقول ذلك من واقع معاناة تمتد إلى نصف قرن مع البلدية، نسيتها كلها وأنا أعيش لحظات تحقيق أحلامي على أرض الواقع، مع شرح مدير عام بلدية الكويت لمشروع ولادة «بلدية جديدة»، غير التي كنا نعرفها، بعد أن تبين له أن التصدي لمحاولة إصلاح التركة القديمة سوف يأخذ منه جهداً كبيراً، ولن تنتهي في الغالب لشيء، مع فساد ثمانين عاماً، ومن الأفضل بالتالي خلق بيئة عمل جديدة بأسلوب عمل ونفسية جديدة كليا، تعتمد على خلق إجراءات عمل غير تقليدية «غير ورقية» paperless، يتم بها استلام طلبات الحصول على تراخيص البلدية، سواء لبناء عمارة أو فيلا، أو ترخيص إعلان أو غير ذلك إلكترونياً، والموافقة عليها، طالما كانت الشروط مستوفاة، دون الحاجة لحضور المراجع، وجلب كتب وخرائط والدوران على عشرات صغار الموظفين وكبارهم للحصول على تواقيعهم واختامهم، وانتظار يمتد أحياناً إلى ستة أشهر على الأقل، هذا إن كان صاحب حظ، ولم يضع ملف معاملته في سرداب البلدية المظلم.
ما ذكرته ليس حلماً، بل حقيقة شاهدناها وهي تطبق لحظة بلحظة، فور تقديم مكتب هندسي لطلب ترخيص مبنى تجاري يملكه أحد المواطنين، حيث تمت في اللحظة دراسة المخططات، والموافقة عليها، بعد التأكد من مطابقتها للشروط، وخلوها من أي مخالفات. ثم طلب من نفس المكتب الهندسي بعدها، تقديم طلب الإشراف على المشروع، فتمت الموافقة عليه، وكل ذلك تم خلال فترة وجودنا القصيرة نسبيا في المكتب، وأمام أعيننا، بغير أوراق، وبطريقة الـ digital service أو الخدمة الرقمية المباشرة بين البلدية والمكتب الهندسي، من دون الاستعانة بالإيميل، ومن دون أن يكلف المكتب الهندسي نفسه إرسال أحد من قبله، ليسمع «مرنا باجر» أو «تعال بعد شهر»!
كما انتهت، مع تطبيق هذا النظام، فضائح فقد ملفات المعاملات، فجميعها مخزنة في ذاكرة كمبيوتر، ومدعومة مع ذاكرة كمبيوتر آخر في دولة أخرى، مع وجود مراقبة مباشرة من مكتب المدير العام، على جميع المعاملات، في ظل ضمانات تمنع سوء الاستخدام.
ما قام به المهندس المنفوحي في بلدية «مبارك الكبير»، والذي سيتكرر تطبيقه، خلال الأشهر القليلة المقبلة، في بقية المحافظات، يقرب من المعجزة، وستنتج عنه حتماً زيادة إيرادات الدولة، مع توقف التلاعب في تحصيل الرسوم، والتوفير الهائل في وقت المراجع والإدارة، وغير ذلك من مزايا لا تعد.
إن تم إنجاز المشروع بالكامل، وهذا ما سيحدث حتماً، فإنه سيمثل نهاية مقولة «فساد البلدية لا تحمله البعارين»! ومن سبق وأطلق ذلك الوصف الدقيق على وضع البلدية، هو الذي يدعم فكرة تخليص البلدية من تركتها، وهو صاحب الفضل.
لا نريد أن نظلم المهندس المنفوحي، الذي نجح كذلك في تسليم أهم إدارات البلدية، وأكثرها خطورة، للعنصر النسائي الكفء، ولكن نتمنى ألا تتم ترقيته لأي منصب أعلى، وأن يبقى مديراً عاماً للبلدية، للسنوات الأربع المقبلة، على الأقل، لينجز بالكامل مشروعه الرائد في تحويل أكثر مؤسسات الدولة فساداً، لأكثرها كفاءة.
أحمد الصراف