المتاجرون بالدين والدنيا

بسبب حالة الجهل المستوطنة، كالبلهارسيا في مصر، نجد أن لرجال الدين دورا خطيرا، لا يستهان به في المجتمع. كما نجد أن الحكومات كثيرا ما تقوم بالاحتماء بهؤلاء وباستخدامه، والعقيدة، للسيطرة على شعوبهم وتوجيهها حسب رغبتهم، رأينا ذلك في الجزيرة وفي مناطق عدة في العالم. حتى جمال عبد الناصر، الأكثر خصومة للإخوان المسلمين، والأقرب للعلمانية، قام خلال فترة العدوان الثلاثي، عام 1956 بإلقاء خطبته الشهيرة من منبر الأزهر، بدلا من ميدان عام أو البرلمان.
كما قام دكتاتور وعلماني آخر، وهو صدام حسين، خلال حرب الخليج الاولى، بإضافة كلمة «الله أكبر»، بخطه الرديء، وبدمه القذر، على العلم العراقي! وحتى اليوم لم يجرؤ أحد على إزالة ما أضاف، رغم أن لا علاقة للأمر بالدين، ولم تجعل الإضافة العراق أكثر تدينا، وسيبقى العراقيون يتذكرون صدام الحقير، ما بقيت الإضافة.
وكان صدام يصر، أثناء محاكمته، على حمل نسخة من القرآن بيده، وهو الذي لم يرفه طوال حياته، ولكن ذكاءه الشرير دله على أن هذه الحركات لها تأثيرها في الدهماء، وهي لغة مخاطبة الجهلة!
كما غفر الناس للكثير من رجال الدين خطاياهم المميتة، بل وأوجدوا لهم مبررات معقولة، بحيث انقلبت التهمة لمصلحتهم، وذلك عندما قام رجال الدين هؤلاء بالاستعانة بنصوص دينية لتبرير ما فعلوا، وتصوير الأمر على أنه ابتلاء. فقد زاد أتباع رجل دين سعودي معروف، باع من أحد كتبه مئات آلاف النسخ، وحقق لنفسه الملايين، بعد أن أدين بحكم قاس لسرقة نص علميا من مؤلفة كتاب سعودية، ونسبة الكتاب لنفسه! ولا يزال يغوص في عقول أتباعه، ويخربها كما يشاء، ووصل عدد متابعيه لأكثر من عشرة ملايين.. من الجهلة، في غالبيتهم!
كما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لـ«أستاذ» الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، والمشرف العام على شبكة رسالة الإسلام عبدالعزيز الفوزان، يظهر فيه في حفل مختلط في أسبانيا، أثناء تسلمه جائزة الإكليل الذهبي. ولكن الفوزان استعان بالنصوص والحجج الدينية للخروج من المأزق، الذي وجد نفسه فيه، فصرح باكيا بأن الفيديو هدف للإساءة له، ضمن خطط ممنهجة ومدروسة لـ«تغريب» المجتمع السعودي، وخاصة المحافظ منه! وقال إنه قبل دعوة حضور حفل الجائزة من منطلق إنها تساهم في مد الجسور بين الثقافة الإسلامية والأسبانية، وأوضح أنه كان من الضروري استلامها. وأنه اشترط على منظمي الحفل الجلوس في الصف الأول، وذلك لكي لا يرى «المنكرات» (!!) وأنه أصر على عدم تشغيل الموسيقى، وأن يكون أول من يتسلم الجائزة، لكي يخرج بسرعة من الحفل، وأنه فوجئ بأن امرأة ستقدم له الجائزة، فرفض وطلب من أحد مرافقيه استلام الجائزة منها وتسليمها له! وختم الفوزان قائلاً: «إننا لا نحضر مجالسهم، لكننا لا نفوت المصالح الكبرى من أجل بعض المنكرات التي لا حيلة لنا فيها».. وهنا كسب قلوب من يتابعوه، لا بل وزاد عددهم.
وفي جانب آخر، نرى شخصية مثقفة كإسلام بحيري، وغيره كثيرون، لم يسرقوا يوما أو ينهبوا، ولم يتورطوا في أية فضائح، يزج بهم في السجون، لأنهم تجرأوا وانتقدوا البخاري.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top