مرك بإمريكا
فوجئ راعي كنيسة في بلدة أميركية صغيرة بقيام البعض ببناء خمارة أمام كنيسته. فقام على الفور بطلب وقف بنائها، ولكن السلطات لم تجد مبررا مقنعا. حاول الراعي الطعن في ترخيص البناء، ولكنه كان مستوفيا للشروط. وعندما رفض طلبه شراء الحانة، وإزالتها، قام الراعي بالطلب من اتباع الكنيسة، ومؤمني البلدة، إقامة الصلوات والدعاء لكي تضرب صاعقة مبنى الخمارة وتحرقه.
وفي ليلة عاصفة ضربت صاعقة المبنى وأحرقته برمته! وعندما اكتشف الملاك الأمر في اليوم التالي، رفعوا دعوى قضائية على الكنيسة مطالبين راعيها بتعويضهم على ما أصابهم من ضرر، بحجة أن صلواتهم كانت السبب! وهنا أسقط بيد الراعي، فإن أنكر أن لصلواتهم علاقة بحرق الكنيسة، فإن ذلك يعني أنه كان على علم بعدم جدوى أي دعاء. وإن اعترف بأن حرق الحانة كان بسبب أدعيتهم، فعليه دفع التعويض لأصحاب البار! النتيجة غير مهمة هنا.
* * *
تقبع دولنا العربية والإسلامية في ذيل القائمة في كل مؤشرات التنمية. وتنتشر فيها البطالة والأمية، وتشكو جميعها تقريبا من نقص في الحريات السياسية والصحافة الحرة، والحياة الكريمة. كما تشكو مدنها من قلة المدارس والمستشفيات، وبعضها ليس بها أي قوانين أصلا، وتنتمي للقرون الوسطى في الكثير من أحكامها. كما تشكو جميعها أيضا من التشرذم الديني والصراع الطائفي، ومن الكراهية والعنف المتأصل في ثقافتنا العميقة، عبر آلاف الفتاوى التي تنشر الكراهية، وتعمق الفرقة. وواقعنا أكثر بؤسا من ماضينا، ومستقبلنا أكثر سوادا من الاثنين.
كما تستورد كل الدول العربية، وغالبية الإسلامية، كامل احتياجاتها من الخارج، وبالذات من الدول الغربية الصليبية، والكافرة، كالصين وكوريا واليابان والهند، لعجزها عن صنع أي شيء. كما أن جميع احتياجاتنا من الدواء والمعدات الطبية تأتي من تلك الدول نفسها، والشيء ذاته ينطبق على الغذاء، والكساء وغيرهما من الاحتياجات.
ومع كل وضعنا المزري وتخلفنا الشامل، وعجزنا الصناعي، وفشلنا في سد العجز في أي مجال، إلا أننا نقوم منذ قرون، وعبر مكبرات صوت مئات آلاف المآذن، ومئات القنوات التلفزيونية، بإنزال أشد اللعنات على رؤوس أعدائنا، الصهاينة والكفار والصليبيين، وأذنابهم، والدعاء بأن يخسف الله بهم، ويزيل نعمتهم، وييتم أبناءهم ويرمل نساءهم، ويحرق زرعهم، ويفرق شملهم، غير مدركين أن الدعاء بحرق زرعهم سيكون وبالا علينا، ولن تجد مصر، مثلا من يعطيها حاجتها من القمح! وإن مات الغرب، كما يدعو هؤلاء، فلن تكون هناك بعدها حياة أو حضارة أو تقدم أو دواء أو كساء، وسنبيت عرايا، لا أحد يود شراء نفطنا ولا تبغنا، ولن نجد من يصنع لنا حتى قماش ملابسنا، وستعم البطالة كامل أوطاننا، وستتضاعف مشكلاتنا عشرات أو آلاف المرات. وبالتالي يجب أن نتساءل عن سبب سكوت دولنا عن كل هذا السباب الذي يصدر من على منابر مساجدنا، وما الفائدة من كل أدعية حرق زرع المسيحي وتشتيت شمل الصليبي، وخراب بيت الغربي؟ فإن كانت هذه الأدعية ذات جدوى وستقبل في نهاية الأمر، فإننا نقتل أنفسنا بأيدينا! وإن كانت كلاما مرسلا، ولغوا لن يقبل منا، فلم السكوت عن مطلقيها؟
● ملاحظة: تم التبرع لمبرة رقية القطامي لأمراض السرطان بمبلغ 1000 دينار من ريع بيع كتابنا، ومشاركة من دار ذات السلاسل.
(*) مرك بإمريكا، هو دعاء إيران الشهير!
أحمد الصراف