مارغريت وجين (2 – 2)

في طريق العودة إلى الفندق التقينا بالنيوزيلندية مارغريت فان جلدرمالسن، التي كانت تضع ملصقاً بالقرب من متجرها، في وسط بدو البدول، مرتدية ملابسهم، وصورتها تظهر على غلاف كتاب من تأليفها بعنوان «تزوجت بدوياً»، والنسخة العربية من مطبوعات «العبيكان».
جاءت مارغريت إلى البتراء سائحة عام 1978 مع صديقتها اليزابيث، والتقت ببدول يدعى محمد عبدالله، ويمتلك عريشة لبيع الهدايا، فتحابا، وتزوجا تاليا وعاشت معه 24 عاما، قبل أن يتوفى عام 2002، بعد أن أنجبت منه صبيين وبنتا، وأصبح لديها عدد من الأحفاد. وتؤكّد مارغريت أنها، وبعد 40 عاما من وجودها بين البدو، كانت ولا تزال سعيدة بقرارها وحياتها، وأنها رضيت العيش في الكهوف لسهولة الحياة وتوافر كل شيء دون عناء أو أعباء حقيقية، فلا فواتير ماء وكهرباء، ولا الضرائب ولا رسوم أو مركبات، أو غيرها من مظاهر الحياة المدنية.
قصة وقوع مارغريت في حب بدوي ذكرتني بقصة الإنكليزية الارستقراطية جين ديغبي (أبريل 1807 – أغسطس 1881)، والتي عاشت حياة رومانسية فاضحة امتدت لعقود طالت أكثر من قارة، حيث تزوجت عدة رجال؛ ومن أزواجها ملك بفاريا، لودفيج، وابن الملك أوتو اليوناني. كما اقترنت بالسياسي النمساوي فليكس شوارزنبرغ، وجنرال ألباني.
قامت، وهي في منتصف عمرها، برحلة إلى سوريا عام 1852. وفي الطريق من حمص إلى تدمر، التي كانت مقصدا للسياح، بصحبة بعض عشائر حماية المسافرين من اللصوص، مقابل أجر مادي، داهم العربان القافلة فأصيبت جين بهلع كبير، إلا أن شيخ العشيرة الشاب «مجول المصرب» دافع بشجاعة عن القافلة ورد الغزو عنها، فأعجبت بفروسيته، وبما كان يمتلكه من جمال وفتوة، فوقعت في حبه، وتزوجا تاليا، رغم أنه كان يصغرها بسنين.
أقامت جين دغبي 15 سنة مع زوجها في صحراء تدمر، تاركة وراءها حياة القصور، التي لم تشعرها يوما بالسعادة التي وجدتها بين العرب، وفي احترام زوجها وطاعته وفي ارتداء الثياب البدوية، والمشي حافية القدمين وفي حلب الناقة وجلب الحطب وخض الحليب وقضاء الوقت في مداواة المرضى والعناية بالخيل وتقديم المشورة الطبية للنساء، فنالت ثقتهن، وبقيت جين بينهن حتى وفاتها، وأثناء ذلك لم تزر وطنها إلا مرة واحدة. وفي خريف عمرها رغبت مارغريت في الإقامة في دمشق، إلا أن مجولاً أقنعها بالسكن في حمص، لوجود خلاف بين عشيرته وبين قبائل الشام. ولكنها اختارت السكن خارج المدينة، حيث ابتاعت بستانا مزروعاً بأشجار المشمش والرمان والتين والعنب مع بركة ماء ودولاب هوائي لسحب المياه من البئر، وبنت فيه منزلا كبيرا عرف بقصر «مجول». ثم انتقلت مع زوجها لدمشق، حيث ابتاعت منزلاً وبستانا جميلاً، إلا أنها لم تنقطع عن زيارة البادية.
بقيت جين دغبي مخلصة لزوجها طوال فترة قاربت الثلاثين عاماً، لم تكتب أثناءها رسائل لأي من أهلها، سوى شقيقها. وتوفيت بمرض الكوليرا في أغسطس 1881 ودفنت في مقبرة البروتستانت في دمشق وكتب على قبرها بالعربية: «مدام دغبي المصرب».
عاش مجول، بعد وفاة جين، لست سنوات قبل أن يتوفى عام 1887.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top