أردوغان.. وهاجس المدن الكبرى

في قراءة لنتائج الاستفتاء على تعديل الدستور التركي، الذي يعود لعهد أتاتورك عام 1923، نرى بوضوح أن جميع المدن الكبرى في تركيا، وهي: إسطنبول والعاصمة أنقرة وأزمير وأنطاليا وآضنة ومرسيين وبودروم، صوتت جميعها ضد تعديلات أردوغان الدستورية، الذي هلل لها الإخوان المسلمون، وأذنابهم، غير مدركين ما سيجره هذا التعديل على تركيا من خراب، فالاستقواء بالسلطة لا يؤسس لشرعية، خاصة في مجتمع متعدد الأعراق والقوميات والديانات.
يبدو واضحاً أن غالبية التعديلات صممت، كالعادة، لتناسب شخص أردوغان، ورغباته السلطانية، دون اعتبار لقواعد الديموقراطية، وفصل السلطات، أو اهتمام بالحريات العامة.
وما فعله أردوغان ليس غريباً، فقد سبقته إيران، وتونس بورقيبة، وعبدالناصر في مصر، عندما صممت دساتير بلدانها لتناسب مقاسات الزعماء، دون اعتبار لحقيقة شخصية وسيرة من سيأتي بعدهم، والذي قد لا يكون لديه نفس الزهد والنزاهة!
كما يتضح من خارطة توزيع الأصوات في الاستفتاء كذلك أن المناطق الحضرية والساحلية والمدن الكبرى كإسطنبول والعاصمة أنقرة وغيرهما، التي حصلت على %49 من الأصوات، تمثل عصب الاقتصاد التركي، حيث تبلغ مساهمتها 72 %في الاقتصاد التركي. كما يقرأ سكان هذه المناطق، التي صوتت ضد التعديلات 85 % مما يصدر في تركيا من كتب. أما المناطق التي صوتت لمصلحة التعديلات، فإنها تساهم في الاقتصاد بنسبة لا تزيد على %28 ولا تقرأ أكثر من %15 من الكتب، ولهذه الأرقام دلالاتها المخيفة، وبالتالي يمكن تخيل نوعية هذا النصر الذي صفق له السذج من جماعتنا. ولا شك أن الرئيس أردوغان يدرك جيداً تبعات عدم تصويت العاصمة، والمدن التركية الأكبر لمصلحة تعديلاته الدستورية، وتداعيات ذلك، وتأثيره في شعبيته مستقبلاً.
تعتبر ظاهرة وقوف الريف البسيط والحواضر المتواضعة التعليم إلى جانب الطرف الذي يدعي تمثيل الدين أمراً مكررا في منطقتنا. فقد رأينا ذلك كثيراً في الانتخابات في الكويت. كما رأينا الأمر ذاته في نتائج انتخابات إيران، ولأكثر من مرة، وتكررت التجربة في مصر محمد مرسي وحكم الإخوان عندما خسروا المدن لكنهم اكتسحوا الأرياف. وما حدث في تركيا ليس ببعيد عما حدث في مصر الإخوان، عام 2012 عندما أجرت جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة استفتاء على مشروع الدستور، الذي انفردت بصياغته، بعد استبعاد القوى المدنية والعمالية الأخرى، وبالتالي أسست للانقسام الحاد، الذي أدى تالياً إلى خسارتها حكم مصر. وهنا يصبح نصر أردوغان ناقصاً أو مراً. وإن وافقت اللجنة القضائية المختصة بمراقبة الانتخابات في تركيا على طعون المعارضة، فقد نرى نتائج مختلفة قريباً، وهذا احتمال وارد لكنه ضعيف عموماً.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top