نحن الهدف الأسهل

يعتبر «يوري بيزمينوف» أحد أشهر عملاء المخابرات السوفيتية الذين لجأوا للغرب. ولد يوري في موسكو، ودرس اللغات الشرقية، وعمل مترجماً لدى مجموعة دعم سوفيتية في الهند، ولكنه تبين له لاحقاً أن عمل المجموعة يهدف لاستغلال موارد تلك الدولة، فترك عمله وعاد إلى موسكو ليلتحق بوكالة أخبار نوفوستي، حيث جُند للعمل مخبراً، وناشر معلومات مغلوطة، وأعيد إلى العمل في الهند، ولكنه رفض تالياً مواقف دولته، ولجأ للغرب إلى أن تُوفي في أميركا عام 1993.
من أهم أعمال «يوري» كتيب صغير بعنوان «رسائل حب لأميركا» love letters to america، شرح فيه خطوات التخريب الأيديولوجي التي كان الاتحاد السوفيتي يتبعها، والتي أصبحت الدول الأخرى اليوم تتبعها، والتي تغني عادة عن إرسال الجنود لاحتلال بلد ما.
أولا: نزع الروح المعنوية. وهذه مهمة قد تستغرق 20 عاماً، لتخريج جيل جديد محمل بأيديولوجيا التخريب المستوردة، التي ستقضي على أي أيديولوجية قومية، من خلال التركيز على الدعائم الفكرية كالدين والتعليم والإعلام والثقافة، وزرع كوادر دينية جديدة أو استمالة القديمة كي تخوض في المجال السياسي.
ويرى أن تشجيع الجمعيات والمؤسسات الدينية على جمع التبرعات من المتدينين تؤدي إلى نتيجتين: الأولى وضع الأبرع في عملية التسويق في القيادة، والذي قد لا يكون بالضرورة الأكثر تديناً. الثانية، أن المتبرع سيشعر بعد تبرعه أنه أدى ما عليه، وهذا يسمح له بارتكاب ما يشاء من أفعال، الأمر الذي نراه منتشراً في مجتمعاتنا! كما من الضروري دفع رجل الدين إلى الظهور على وسائل الإعلام، والاستعانة بالنجوم للدعاية لأفكاره الدينية، وبهذا تخرج هذه الأفكار من دائرة التبجيل إلى دائرة الهزل.
ثم بعدها تبدأ الدعامة الثانية التي تكمن في تخريب التعليم، ونشر الجهل في الدولة المستهدفة.
أما الدعامة الثالثة فهي احتكار الإعلام وفرض وجهة نظر واحدة، والتشهير بالكوادر الوطنية والتركيز على المشاكل التافهة.
أما الدعامة الأخيرة فهي استهداف الثقافة واستمالة الكتاب والشعراء والفنانين المغمورين في الدولة المستهدفة، ودعم الأفكار المناهضة لدولتهم حتى يكبروا وتنتشر أفكارهم بين الأجيال الناشئة. مع ضرورة التركيز على تخريب هياكل المجتمع الرئيسية كمؤسسات القضاء والشرطة والجيش. وتخريب الحياة الأسرية، وإثارة حنق الأقليات في الدولة المستهدفة، والحث على زيادة التمدن، على حساب الريف المنتج، والعبث بالنقابات العمالية.
بعد نجاح خطوة نزع الروح المعنوية، يبدأ العمل على عدم الاستقرار، عن طريق اختيار الحلول السهلة لمشاكل الشعب، وتكون نتيجة ذلك وقوع الأزمات، وتحريك الخلايا النائمة. وعند بلوغ هذه المرحلة لن يحتاج المخرّب إلى أي تدخل عسكري في الدولة المستهدفة، فقد خضعت الدولة بالفعل، ويصبح بالإمكان إجراء التغييرات الجذرية مثل تأميم الممتلكات وإعادة توزيع الثروة كيفما يحلو للأجهزة السرية، مدعومين بالإعلام الذي سيبرر لهم كل الأفعال. ثم تبدأ بعدها عملية تطبيع المواطنين على قبول الأوضاع الجديدة.
لا شك أن الكثير من كلام هذا الخبير صحيح وينطبق على العديد من دولنا، لكن لماذا لم تنجح هذه الأساليب نفسها في سنغافورة، وماليزيا، وتركيا، قبل استيلاء الإخوان عليها، وفي اليابان والنرويج وعشرات الدول الأخرى.. الجواب لأن بذرة الخراب أو الاستعداد شبه الفطري للتماهي مع الفساد موجودة فينا أكثر من غيرنا!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top