تنظيف الدرج
يعتبر رئيس تنزانيا، جون ماغوفولي، من أشد أعداء الفساد، حيث قام في اليوم الأول لانتخابه، قبل عامين تقريباً، باتخاذ أشد التدابير ضد العاملين الفاسدين والتسيب. فعندما زار مجلس الخدمة المدنية أصدر عقوبات بحق الموظفين الغائبين. وألغى مظاهر البذخ في الاحتفالات، وخفّض مخصصات المآدب الرسمية، وحظر سفر موظفي الحكومة إلى الخارج، باستثناء الرئيس ونائبه، ورئيس الوزراء. وزار المستشفيات ورأى حالتها المزرية، فأقال المسؤولين عنها، وزار ميناء الدولة الرئيسي، واكتشف تجاوزات ضريبية كبيرة، فوضع رئيس الميناء قيد الاعتقال. كما قام بطرد عشرات آلاف الموظفين المتهمين بالفساد، ومن بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد ورئيس مصلحة الضرائب ومسؤول بارز في السكك الحديدية، وخفّض عدد مساعدي الوزراء، وهدد بعزل أي وزير يرفض التعاون مع لجنة المكافحة. ومنع اللقاءات والندوات الحكومية التي تقام في الفنادق، وخفّض أعداد الممثليات في الخارج، والعاملين فيها ومميزاتهم.
ولو تخيلنا أن رئيس وزراء الكويت أراد أن يحذو حذو الرئيس التنزاني، فمن أين سيبدأ في حربه ضد الفساد، وكيف؟
لا توجد، بنظري، إدارة أو هيئة أو وزارة تخلو من الفساد، وفي العالم أجمع! فالمشكلة ليست في وجود الفساد، ولكن في حجمه، ومدى الرغبة في اجتثاثه! هنا يصاب المراقب بالحيرة حقاً، عندما يجد الدرك الأسفل الذي أصبحت الكويت «تحتله» في مؤشرات النزاهة، والذي لا يمكن فهمه. فالكويتيون لا يزيد عددهم على المليون ونصف المليون، ولا يزيد عمر الإدارة الحديثة فيها على 150 عاماً، وليست من الدول الفقيرة، ولا توجد فيها قضايا سياسية وحروب طائفية أو عرقية. وبالتالي، هي ليست مصر ولا الهند، بكل تعقيدات أوضاعهما الإدارية والمالية، وتجذر الخراب فيهما منذ قرون، بل هي دولة نموذجية يسهل القيام بأي عملية إصلاحية فيها من دون كبير عناء، فلم إذاً كل هذا الكم من خراب الذمم والفساد الإداري؟
أنا أفهم عذر رئيس وزراء الهند، أو مصر، أو حتى لبنان، ولكني لا أفهم سبب تردد رئيس حكومتنا، أو عجزه، أو عدم رغبته ربما، في محاربة الفساد، خصوصاً أن أماكنه معروفة، وأدواته واضحة، فلمَ التردد في وقف هذا الوحش من النهش في جسد الوطن، بعد أن أصبح من الصعب إنجاز معاملة بغير رشوة؟
يقول المثل الأفريقي: إن محاربة الفساد هو مثل تنظيف الدرج، يجب أن يبدأ من الأعلى، فإن كانت الحكومة وأعضاؤها عاجزين عن محاربة الفساد، فمن الاستحالة توقع قيامهم بمهمة محاربة الفساد! وكيف يمكن توقع أن تكون بداية الحرب على الفساد من حكومة قام أحد أعضائها بصرف أكثر من ملياري دولار، في فترة تقل عن السنة، على إرسال عشرات آلاف المواطنين لتلقي العلاج في الخارج، و%90 ليسوا مرضى؟
نعم، لقد أعفي الوزير من منصبه في نهاية الأمر، وأحيل إلى محكمة الوزراء، ولكن على تهم لا علاقة لها بهدر المليارين، لأن مجلسي الوزراء والأمة شاركا في صرف هذا المبلغ، إذاً فهو بريء!
ملاحظة: في محاولة لتحسين صورة وزير الصحة الحالي، صرّح الناطق باسمه، بما معناه، أن عدد من أرسلتهم الوزارة لتلقي العلاج في الخارج، في السنة الحالية، يقل عما سبق أن أُرسل في الفترة نفسها من السنة الماضية، وهذا إنجاز يحسب للوزير!
أحمد الصراف