الرقية على الواتس أب
الجهل في دولنا سيقضي علينا حتما إن استمر على وتيرته الحالية، ومن أكثر الأدلة «العصرية» خطورة، كل هذا العدد الكبير من رسائل الواتس أب السخيفة والكاذبة، والتي تبلغ درجة الخرافة، التي يتم تصديقها والتأكيد عليها وتداولها، وكأنها حقائق دون التفكير في صحتها، أو مصدرها، أو حتى اتساقها مع العقل السليم.
من تلك الرسائل مثلا تلك التي تتعلق بخطورة تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، توالدا وهجرة، على المجتمع الأوروبي، وكيف أن أوروبا ستتحول قريبا لدول إسلامية، بفضل التزايد الرهيب في أعداد المسلمين فيها، وهذا والهراء سواء. فالعدد الكبير لم يشكل يوما الشيء الكثير، ما لم يدعم بعلم غزير، فكم من دولة حكمت وتحكمت في دول أكثر عددا منها بكثير، كالدول الاستعمارية التي تحكمت في أمم عدة تفوقها عددا بعشرات الأضعاف، هذا غير وضعنا مع إسرائيل.
وفي رسالة أخرى لقيت رواجا كبيرا تضمنت حديثا لرجل سعودي، يبلغ عدد متابعيه، على التويتر، الملايين، سرد فيه منامه وكيف رأى الرسول ووجه إليه ثلاثة أسئلة، وكتب كيف أجابه عنها بطريقة وحوار لا يمكن لنا إعادته هنا لغرابته وسطحيته. والسؤال: كيف ينصت الملايين لمثل هذا الكلام؟ وما الفائدة من سرده؟ وكيف يستمرون في الاستماع له ومتابعته، دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد التساؤل عن صحته؟ أليس هو الجهل بعينه؟
كما يمتلئ الواتس أب بكم كبير آخر من الرسائل والأفلام القصيرة التي تتحدث عن علاجات غريبة وعجيبة للكثير من الأمراض المستعصية، وكيف أن بإمكان خلطة أو خيزرانة، أو جملة، أن تشفي الكثير من العلل.
إن جميع طرق العلاج الوهمية هذه لا تعدو أن تكون جزءا من حملة منظمة لزيادة تجهيل هذه الأمة، وزيادة مصائبها، فوق ما هي عليه من جهل وتخلف. فلا يمكن أن يكون الهدف من إنتاج وتوزيع كل هذه الفيديوهات المكلفة، مجهولة المصدر غالبا، من أجل الخير فقط. ولا شك أن الكثير من رسائل الواتس أب تحتوي على قدر كبير من الصحة والفائدة، ولكن غيابها سابقا لم يساهم في زيادة جهلنا، ولكن وجود ذلك الكم الكبير من الأخبار السخيفة والمدسوسة والعلاجات الغريبة لا شك ساهم في زيادة جهلنا وتخلفنا، بعد أن أصبح الأمر مهنة من لا مهنة له، ووظيفة من يرغب في كسب شهرة مزيفة، أو تجميع أكبر عدد من المتابعين الذين يمكن استخدامهم مستقبلا في الترويج لأمور أخرى!
وقد قامت دول أوروبية بإصدار تشريعات تعاقب نشر أخبار كاذبة، حتى على المواقع الخاصة، كالفيسبوك، وبالتالي ننصح بالشك في كل ما يرسل عن طريق الواتس أب، وعدم الترويج لشيء قبل التيقن من صحته.
أحمد الصراف