يالها من ورطة..!

تعددت الدول، كبيرة وصغيرة، التي ضغطت على نفسها، وقبلت الهوان، وسعت جاهدة لأن تتصل بنا وتطلب رضانا، وترسل من يمثلها ليتحدث معنا، ليس لأهميتنا التاريخية ولا لما نمثله من ثقل حضاري، ولا لقوتنا الاقتصادية، ولا لوزننا في عالم المال، ولا لعدد سكاننا، الذي لا يزيد على ثلث سكان الهند، ولا لترسانتنا من الصواريخ البالستية، ولا لمخزوننا من الذهب والفضة، ولا حتى لبترولنا الذي أصبح لا يساوي الكثير، بل يعود سبب سعيها الحثيث لكسب ودنا، ولقائنا لما أصبح يمثله الرعاع منا من خطر على السلام العالمي، وقبلها علينا، ولما أحدثه جهلاؤنا من إرباك لأسواق المال الغربية، وإزعاج لسلطات حدودها، ولأوضاع العالم الأمنية، ولما فعلناه بأنفسنا من تخريب لاقتصادياتنا وصناعة السياحة في بلداننا، وإتلاف ممتلكاتنا، وقتل رجالنا وتحطيم مستقبل أطفالنا، وحرق مستشفياتنا ومكتباتنا، وشراسة منقطعة النظير في الفتك «بعضنا ببعض» في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وغيرها، ووصل الأمر بأن أصبح عدو شقيقنا صديقنا، وصديق شقيقنا عدونا، بعد أن أحرق الشقيق زرعنا، ويتّم الأخ أخاه، ومنعنا «بعضنا البعض» من دخول بيوتنا، وطردنا أبناء العمومة من أحيائنا، ومع هذا استمر طلاب مدارسنا في ترديد نشيد الصباح، الكاذب، إننا أمة عربية واحدة.
لماذا جاء البابا فرنسيس، هذا الإنسان الكريم، والرجل النبيل ورأس الكاثوليكية المتواضع لزيارة بلداننا، وهو في هذه السن، ونحن الذين قتلنا رعيته، ولم نحترم ما قدمه أتباع كنيسته لمهجرينا من طعام ودواء ومأوى؟ كيف نسينا يوم تواضع هذا الراهب وانحنى ليغسل أقدام فقراء اللاجئين العرب، الذين طردناهم من بلداننا، دون أن يفرق بين مسلم ومسيحي؟ كيف يقبل هذا الرجل أقدام فقرائنا، ولاجئينا ونحن نقتل أفضل ما يتبع كنيسته، ونسبي شرفاء نسائها، ونشرد أطفالها، ونحرق ما لم نستطع سرقته من ممتلكاتها؟ أي شر أصبحنا نمثله في هذا العالم بحيث أصبح الجميع يخطب ودّنا فقط ليطالبنا بأن نكف شرنا عنه، وقبل ذلك عن أنفسنا؟
ما هذا الوباء الذي اصبحنا نمثله لأنفسنا وللعالم؟
لقد عاش المصريون قرونا بعضهم مع بعض في سلام، ثم جاء نفر منا ليقتل نفرا منهم، ويفجر كنائسهم، ويحرق المصلين أحياء فيها.
وعاش السوريون لأكثر من ألف سنة بعضهم مع بعض، الشيعي مع السني، الكردي مع العلوي، الكاثوليكي مع الدرزي، والأرثوذكسي مع الأشوري، ثم جاء من حطم كل شيء على رؤوس الجميع.
وعاش أكراد العراق، من سنتهم وشيعتهم، وأهل بغداد بمختلف دياناتهم وطوائفهم بعضهم مع بعض، وتزاوجوا وتآخوا، دون ضغينة ولا حسد ولا حقد ولا عداوة، وفجأة جاء الطاعون الأسود وفرق بين الحي والزاوية، وبين الأسرة والعائلة وبين القبلية والعشيرة وبين الدين والطائفية فنزل الكل في الكل قتلا وتدميرا وتشريدا.
ثم يقرر رأس أكبر وأغنى دولة في العالم جعل أول زيارة خارجية له لأوطاننا، هل لأننا نمثل كل هذه الأهمية له، أم لأن شيئا ما يجب أن يحدث لنتخلى عن كل ما نمثله من شر للعالم ولأنفسنا؟
إن الداعش الصغير، النائم في ثنايا عقولنا، سوف يخرجه العالم من أدمغتنا، إن فشلنا في القيام بذلك بانفسنا، فقد تعب عقلاؤنا، وتعبت شعوبنا وتعب حكامنا، وتعب العالم أجمع معنا، ولا بد من فعل شيء لوقف هذا الجنون، وأن يقنعنا طرف ما بأن الحياة جميلة، وأن من الرائع أن نفعل شيئا مفيدا لنا وللعالم فيها، قبل تركها، وكأننا نعيش أبدا، ولا بأس بعدها إن فعلنا شيئا للآخرة، وكأننا نموت غدا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top