الثورة المستحقة
يحتاج التعليم في الكويت إلى نسف كامل من خلال إحداث انقلاب نوعي في المناهج يقارب الثورة. فمن الواضح أن كل مصائبنا وتخلفنا وانحراف شبابنا ووقوعهم ضحايا الغريب من التأويلات الدينية، ومصرعهم في ميادين قتال لا علاقة لهم بها، وزيادة البطالة بينهم، وتدني مستواهم الخلقي، فوق تدني مستوياتهم الدراسية، وافتقادهم معاني القيم والأدب والكياسة في التعامل، ما هو إلا نتيجة للنظام التعليمي المتدهور، شكلا ومضمونا، والعكس صحيح، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
ويعتقد مفكر أنه بسبب تدهور الأخلاق والقيم والتعليم في مصر، خاصة بعد انقلاب 1952، اثر سلبا في تدهورها في بقية الدول العربية، خاصة مع انخفاض مستوى المدرس المصري، ثم اكملت «الصحوة الدينية غير المباركة» على ما تبقى من تعليم شبه جيد. ويقول الزميل سامي البحيري إن الأديب طه حسين، وكان يوما وزيرا للتعليم، «سئل متى سيتحسن التعليم؟»، فقال: «لما نشوف»، وطبعا كان طه حسين ضريرا، ومات دون أن يرى أي تحسن في بصره أو في التعليم، بل شعر بتدهور أكبر.
ويرى البعض أن المشكلة الاساسية في التعليم في مصر والعالم العربي تكمن في تدهور الحكومي منه بدرجة مخيفة، ويبدو أن التعليم الخاص بدا يفقد صبره وقدرته على مقاومة التخلف. وبالتالي يتطلب الأمر تغيير النظرة للمدرسة من كونها مصنعا للشهادات لتصبح مصنعا لخلق إنسان راق في أخلاقه، مدرك للأصول، مع قدرة على امتلاك المهارات!
وحيث إن المعرفة قد انتقلت من صفحات عشرات آلاف الكتب، إلى جهاز الهاتف الذكي، فقد أدى ذلك لأن يصبح ابن الثمانين وابن الخامسة عشرة بنفس القدرة على فهم العالم، وبنفس القدرة على الحصول على ما يريدونه من خلال أدوات البحث كـ «غوغل»، وأصبحنا جميعا بغير حاجة لنظام الحفظ والتكرار والترديد الحالي، بل بحاجة أكثر، كما ورد في الزميل البحيري في مقالة القيم في إيلاف، لتعلم مهارة استخدام المعرفة، ليمكن مجاراة دول العالم المتقدم، وزيادة علومنا، وتعلم المهارات اليدوية، حسب احتياجات المجتمع مثل النجارة والسباكة والكهرباء والميكانيكا وخلافه. كما أننا بحاجة لمعرفة أنظمة التغذية الصحية لنخلق أجيالا تتمتع بصحة جيدة، وتعرف الفنون وتتذوق الموسيقى والرسم والنحت والشعر والتمثيل، وكيفية تربية الأبناء على الأخلاق الانسانية وعلى نبذ الكراهية، وأن يحبوا، مهما اختلف دينه ولونه وجنسه وموقعه الاجتماعي. أما طرق التعليم الحالية كمعرفة ما تنتجه مصر من غلال، أو سوريا من زيتون، أو مساحة تونس ولون علمها، فقد عفا الزمن عليها.
إن هذه الثورة ليست صعبة والدول التي قامت بها تمتلك الخبرة، وهي بالفعل من اكثر بلدان العالم تقدما، ويمكن الاستفادة من تجاربها! ففي فنلندا مثلا ألغت الكثير من مدارسها تدريس المواضيع التقليدية واهتمت اكثر بتعليم المهارات وكيفية استخدام المعرفة وسمحت للأولاد والبنات باستخدام الهاتف الذكي للحصول على المعرفة داخل الفصل الدراسي. كما ألغت كليا الواجبات المنزلية، وبدأت بعض المدارس الابتدائية في عقد ندوات لمناقشة المشاكل العالمية كالهجرة والانبعاث الحراري، والبيئة وغيرها من القضايا الحيوية.
فهل سنسمع بتلك الثورة؟
أحمد الصراف