ابحث عن المستفيد
كتب محرر الشؤون المحلية (6/17)، الخبر التالي: علمت القبس أن جهات خيرية تضع ثلاثة شروط لتقديم المساعدة للمحتاجين، أولها أن يكون المحتاج على مذهب الجهة أو الجمعية المانحة، وأن يكون من سكان المنطقة، وثالثا أن تكون لديه «واسطة» من شيخ دين معروف!
وقال المحرر إن المحتاجين فوجئوا باعتراف هذه الجهات بوجود أموال طائلة لديها، ولكنها لا تستطيع صرفها إلا لأبناء المنطقة، وأحيانا لا يحتاج أبناء المنطقة للمساعدة (الشويخ مثالا) فتحوّل المبالغ لخارج البلاد. وكشف المحرر أن هناك جهات تطلب ورقة موقّعة من إمام المسجد تثبت أداء المحتاج للصلاة، والهدف وراء طلب تلك الورقة طبعا هو لإثبات الانتماء المذهبي للمحتاج!
هذا الخبر ليس بجديد، فقد سبق أن كتبنا عنه، على مدى السنوات العشرين الماضية، لعشرات المرات، وتطرّقنا له في عشرات المقابلات، مع عشرات القنوات التلفزيونية، وحذّرنا من خطورته على النسيج الوطني، مئات المرات، ولكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي.
إن هذه الأموال «السبهللة»، التي تحصل عليها أغلب «الجمعيات الخيرية»، خاصة في المناسبات الدينية؛ كرمضان، يذهب جزء كبير منها (%20 تقريبا) لمن قام بجمعها، تطبيقا لقاعدة «والقائمين عليها»، كما يفسرونها. ويذهب جزء كبير آخر لمصارف خارجية لا يعلم عنها أحد شيئا، غير الذي أرسلها، وما يتبقى، يصرف على البعض؛ ليساهم في تعميق الاستقطاب الطائفي. وما ينطبق على أموال الجمعيات الخيرية التي ذكرها المحرر ينطبق أيضا على الأموال التي يقوم أفراد أو جمعيات بتحصيلها باسم «الخُمس»، حيث ترسل في غالبها للخارج، وتدفع لشخصيات دينية محددة، ولا يعرف بعد ذلك أين تصرف؟
إن المأساة لا تكمن فقط في عدم استفادة المحتاج «الحقيقي» من هذه الأموال، وبين ظهرانينا عشرات آلاف «البدون» الذين تتقاذفهم مصاعب الحياة يمينا وشمالا، بل أيضا لكون هذه الأموال، على الرغم من ضخامتها، لم تتم يوما الاستفادة منها في الصرف على تعليم الفقير مهنة أو حرفة أو درسا، بل تصرف غالبا على ملبس وطعام المحتاج، وليس على تعليمه، تطبيقا للحكمة التي تقول «لا تطعمني سمكة، بل علمني كيف أصطادها»، فليست هناك دولة إسلامية بها مؤسسة علمية أو تعليمية حقيقية يشار إليها بالبنان. ولو نظرنا إلى تجارب كثير من رجال الأعمال في مجال تأسيس وإدارة الجامعات الخاصة، لوجدنا أنهم حقّقوا لأنفسهم ولمجتمعاتهم فوائد مادية وخلقية عظيمة من وراء هذه المشاريع التعليمية، وبالتالي لو تم استثمار أموال الزكاة والخمس في هذه المؤسسات لساهمت في نشر الوعي والتعليم، إضافة إلى ما ستجنيه من أموال طائلة، يعاد استثمارها في نفس المجالات أو في توفير الرعاية الصحية، وتنمية مصادر مياه الشفة، التي تتزايد الحاجة إليها كل يوم في مجتمعاتنا المطحونة بالأمية والبطالة. ولكن يبدو أن هناك رغبة في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
يحدث ذلك في الوقت الذي نجد فيه أن جهات دينية غربية هي التي أسست أفضل جامعاتنا ومستشفياتنا، غير الحكومية!
أحمد الصراف