الأنسولين وشارع مروان (*)

يعاني المصابون بالسكري من مشاكل نتيجة فشل البنكرياس في إنتاج هرمون الأنسولين، الذي يساهم في تحويل الغذاء إلى طاقة، أو التمثيل الغذائي. فبعد تناول الطعام، تُفكَّك النشويات فيه إلى سكر يُدعى غولوكوز، ينقله الدم إلى جميع خلايا الجسم للاستفادة منه وإنتاج الطاقة. وتحتاج أغلبية الخلايا إلى الأنسولين ليسمح بدخول الغلوكوز إلى الدم. فإذا كان تناول الغذاء، الغني بالسكر والنشويات كبيراً، فإن الكبد والبنكرياس يعجزان عن إنتاج أنسولين كاف لإدخال السكر إلى الخلايا، ويبقى جزء من السكر في الدم؛ وينتُج عن ذلك وجود كميات زائدة فيه، فيؤثر ذلك في الأعصاب والأوعية الدموية، ويؤدي إلى مضاعفات مثل أمراض القلب والسكتة وأمراض الكلى والعمى واعتلال الأعصاب السكري والتهابات اللثة والقدم السكرية ومشاكل البتر.
أما الأعراض التي توحي بهذا المرض، فهي زيادة الرغبة في التبول، وزيادة الإحساس بالعطش، والشعور بالخمول، وفقدان الوزن، وتباطؤ شفاء الجروح وغيرها. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن عدد المصابين بالسكري قد تجاوز النصف مليار، مع تسجيل معدل انتشار أكبر في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
تمكن الكندي السير فريديريك بانتنغ، عام 1921، بالتعاون مع تلميذه شارل بست، من إنتاج مادة الأنسولين التي تنظم نسبة السكر في الدم، وإليهما يرجع الفضل في مساعدة ملايين المرضى عبر العالم من الصمود لفترة أطول في وجه هذا المرض المزمن. ففي صيف 1921، انكبّ العالمان على معرفة سبب تدمير الخلايا المفرزة لمادة الأنسولين، والبحث عن أسلوب بديل لمساعدة الجسم على امتصاص السكريات التي يحملها الطعام، وتوصلا بالفعل إلى استخراج الأنسولين من «جزر لانغرهانس» داخل خلايا البنكرياس، وإعادة حقنها في الجسم. أما الآن، فأغلبية الأنسولين الجيد يأتي من بنكرياس الخنازير.
الابتكار العلمي القيم أهّل فريديريك بانتنغ حينها للحصول على جائزة نوبل للطب، إلا أنّ الأكاديمية السويدية لم تكرّم تلميذه شارل بست، فقام بانتنغ باقتسام الجائزة معه.
وقد سبق لبانتنغ أن بدأ أبحاثاً جديدة في مجال طب الطيران، وتوصل بالفعل إلى اكتشاف السبب وراء الدوار الذي يصيب ربابنة الطائرات أثناء القيادة، وعلاقة ذلك بعدم التوازن في توزيع الدم بين القدمين والدماغ خلال الطيران، وكان يسعى إلى إيجاد حل علمي للمشكلة، ولكن المنية لم تمهله، فقد توفي وزوجته، وهو بعد في الخمسين، في حادث سقوط طائرتهما الخاصة في فبراير 1941.
أطلقت كندا، ودول كثيرة، اسمه على شوارعها ومعالمها، كما قرر الاتحاد الفلكي الدولي تسمية إحدى فوهات القمر باسمه.
هذا عندهم. أما عندنا، فحدث ولا حرج. ففي حالة وفاء نادرة، قامت الكويت، الليبرالية، عام 1971، بإصدار طابع يحمل صورة الشيخ صباح السالم، إلى جانب صورتي الدكتورين بانتنغ وبست، بمناسبة مرور 50 عاماً على اكتشافهما لمصل الأنسولين.
كانت الكويت حينها منفتحة، وأكثر إنسانية، وكانت لا تتردد في إطلاق أسماء من لهم أفضال على البشرية على معالم ومرافق الدولة، كمستشفيي ابن سينا والرازي. ولكن، مع الصحوة غير المباركة، تغيرت الأمور وأصبح من المحظور تقريباً إطلاق اسم أي أجنبي، ولو كان صاحب فضل علينا أو على البشرية، على أي من معالم الدولة، وما حصل في السابق يجب ألا يتكرر، فإطلاق اسم نوخذة مغمور أو مدير إدارة فاشل على الشارع الذي يقع فيه بيته أفضل من تسمية الشارع باسم الرئيس بوش أو الفارابي، أو تاتشر، أو ابن رشد، أو حتى وليم مورتن، الذي أدين ويدين له العالم أجمع بالفضل، ويستحق منهم آلاف تريليونات الأدعية، لاكتشافه مادة التخدير!
(*) اسم شارع في الكويت

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top