غزوة السذج والمحتالين
قبل «عصر وسائل التواصل الاجتماعي» كانت أضرار البعض، الفكرية والعقلية، مقتصرة على من حولهم، ولكن ما إن انفتحت أمامهم طاقات نشر تلك الترهات والرسائل الساذجة على العالم، من خلال الواتس أب وغيره، حتى غمروا العالم بها، فأصبح الغث والتافه هو السائد، والنادر منها ما يفيد، ولا يشوش الفكر ولا يكدر الخاطر، ولا يزرع الريبة والشك في النفوس، من المحتوى أو هدف المرسل الحقيقي!
تعلمت، كغيري، الكثير من وسائل التواصل، وابتسمت من رسائل عدة، وبكيت من غيرها، وغضبت وأصبت بالإحباط من بعضها، ولكنها أصبحت مع الوقت متعبة، ومضيعة لوقت ثمين يصرف في انتظار تنزيل الرسائل والفيديوهات، ومن ثم مشاهدتها، لنكتشف في النهاية سخافتها، أو غرضها الخبيث وعبثيتها، ورسالتها المضللة، أو التي لا تهدف إلا للإضرار بطرف، لحساب طرف آخر، وكل ذلك نتيجة دخول حكومات ومنظمات وشركات ذات أهداف غير سليمة على الخط، وتوظيفها آلاف المغردين أو من النشطاء على وسائل التواصل لتوصيل رسائل محددة، ذات أهداف مشبوهة، سواء لترجيح وجهة نظر على أخرى، أو لترويج السيئ من الأفكار والسلع والخدمات، هذا غير ما اكتشفناه مؤخرا، من واقع الأزمة الخليجية الأخيرة، أن هناك الآلاف الذين يعملون في خدمة هذا الطرف أو غيره، للدفاع عن وجهة نظره، والنزول في الحرب الباردة لمستويات يعف اللسان أو القلم عن التطرق لمحتواها.
كما أصبحت رسائل وسائل التواصل سلاحا بيد منظمات إرهابية تسوق لأفكارها، وتجند الشباب وتزين لهم الالتحاق بها، وتنشر أفكارها، وتزين للمخدوعين التضحية بكل شيء من أجلها، فأصبحنا جميعا، في فترة قصيرة نسبيا، ضائعين وغارقين في بحر أو محيط من من الخزعبلات والأفكار الهدامة، وضحايا لغايات وأهداف سياسية ودينية وطائفية وإرهابية ومالية واقتصادية لا يمكن حصرها، وهذا حال من يعتقدون أنهم يعرفون شيئا عما يجري حولهم، فما بالك بالجهلة وأنصاف المتعلمين، وما أكثرهم بيننا، وفي «قروباتنا».
لا أعتقد أن نصائحي، لنفسي أو للغير، ستجد الاستجابة الكاملة، أو حتى نصفها، في خضم كل هذا السيل من الرسائل، وكل هذا الفضول الذي لدينا لمعرفة كنه وحقيقة ما يردنا، وبالتالي من الأفضل المطالبة بتخفيف عدد ما نرسل، والتقليل أكثر مما نشاهد، والأهم من ذلك الشك، والشك الشديد، وتحكيم العقل والمنطق في حقيقة ما يردنا، وعدم تصديق أي شيء، وعدم استعجال إعادة إرسال أي شيء قبل التيقن من صحته وفائدته، فلا أحد سيعطي المرسل جائزة لكمية ما يرسل، ولكنه حتما سيلام إن كانت رسائله مضللة أو سخيفة أو غير صحيحة!
من كل ذلك يتبين المفارقة المضحكة هنا، فقد كنا نعيب صمت غالبية المشاركين في القروبات، وعدم مساهمتهم في إرسال شيء، والاكتفاء بتلقي الرسائل، ويتبين الآن أنهم كانوا على حق أكثر من غيرهم، فهم على الأقل لم يساهموا في نشر السخيف من الرسائل، كما يفعل الكثيرون منا، يوميا!
أحمد الصراف