جثة طبيب

تكررت، خلال السنوات الثلاثين الماضية، حوادث الاعتداء على الأطباء وبقية الكادر الطبي بشكل مقلق، ولم تتحرك الحكومة طوال هذه الفترة بما يكفي من الجدية لوضع حد لما أصبح شبه عرف وثقافة مجتمع يصر على التخلف والانكفاء ومحاولة حل مشاكله بيده، من دون انتظار كلمة العدالة.
ما زاد الوضع سوءاً شبه سكوت جمعيات المهن الطبية عن القيام بواجبها في هذا الصدد، وتكاسلها عن حث الجهات المعنية للتحرك سريعاً، وإصدار ما يكفي من تشريعات وقرارات تحفظ هيبة أشرف مهنة، وتوقف وقوع مثل هذه الاعتداءات، أو على الأقل تحد من تفاقمها.
يقال إن وزير الصحة الحالي له اهتمام بهذا الموضوع، وهذا يحسب له، ولكن الأمر يتطلب تحركاً أكثر سرعة وحزماً، فالحوادث بازدياد نوعاً وكماً، وليس ببعيد أن نسمع قريباً بوقوع طبيب مناوب صريعاً على يد أحد المراجعين أو ذويهم.
وهنا يقترح أحد الأطباء المخلصين إصدار قانون أكثر حزماً ووضوحاً لحماية الجسم الطبي من اعتداءات «الهمج» عليهم، وهو قانون يوجد ما يماثله في دول كثيرة، وليس بالبدعة، علما بأن الحديث عن قرب صدوره يتكرر منذ 2010، لكن وعود الوزراء السابقين بقيت كلاماً مرسلاً، وربما سيأتي الحل على يد الوزير الحالي.
وفي عجالة، كما وردنا من طبيب قارئ، من الضروري قيام الدولة فوراً بتوفير الحماية الأمنية المطلوبة للأطباء، خصوصاً أثناء متابعتهم للحالات الحرجة والدقيقة، التي قد تؤدي أحياناً إلى الوفاة أو الإعاقة. مع ضرورة أن يتضمن القانون المقترح وقف إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدم ضده شكوى، إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصة، مع ضرورة توقيع العقوبة على المعتدي، حتى بعد تنازل الطبيب المعتدى عليه عن حقه. كما يتطلب الأمر حفظ كرامة الطبيب، المعتدى عليه، من البهدلة في المؤسسات الأمنية، من خلال قيام الكادر القانوني التابع لوزارة الصحة بتلك المهمة، وبقاء الوزارة طرفاً في أي قضية اعتداء، وإلزامها بمتابعة كل الشكاوى، واستمرارية تقييم الأداء والمتابعة لها.
كما يجب إعفاء الطبيب من مسؤولية الخطأ الطبي، في حال غياب الدور الأمني والدور الإداري، وعدم تواجدهما في مكان العمل، وفق اللوائح والأنظمة. مع تغليظ عقوبة الاعتداءات التي تستهدف الأطباء والكادر الطبي، وتؤدي إلى النيل من حياتهم أو ملاحقتهم وتهديدهم، أو الطعن في سمعتهم.
ولا يعني كل ذلك أن الطبيب سيكون في كل الأحوال محصناً من المحاسبة في حال وقع خطأ من قبله نتيجة سوء تصرف منه، أو تهاون في أداء واجبه، ولكن محاسبته لا تكون حتماً من خلال الاعتداء عليه في مكان عمله أو في خارجه، بل من خلال تسهيل إجراءات التقاضي في مثل هذه الحالات، بحيث تأخذ الأمور مجراها الطبيعي في جميع الأحوال، إن كنا نرغب في أن نكون جزءاً من المنظومة البشرية العاقلة.
ومن الضروري طبعاً توقيع العقوبة اللازمة بحق أي طبيب يثبت تهاونه في أداء وظيفته، أو تقصيره، والأهم من كل ذلك على الجهات المعنية، وعلى رأسها وزير الصحة، التحرك سريعاً لإقرار هذا القانون الذي شبع من البقاء ضمن أدراج المجلس، وإصداره بأقرب فرصة، وقبل أن نرى صورة جثة طبيب على الصفحات الأولى من الصحف.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top