وفاة كبير
توفي الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، الذي طالما كتبت عنه وعن روائعه، واستمتعت بمجلسه وصداقته واتصالاته، وأدبه! توفي وتركنا مع من بقي من زملائه العمالقة الآخرين. توفي «أبوعدنان»، ولكن ليس قبل أن يترك لنا إرثاً فنياً وزاداً ثقافياً ننهل منه حكماً وابتسامات وضحكات لا تنتهي.
لست بارعاً في كتابة مقالات الرثاء، وأتجنبها، ولكن عبدالحسين شيء آخر، ولهذا سأستعين بمقال كتبته الزميلة السعودية تهاني الرمضان، ففيه الكثير الذي أود قوله، أنقله عنها بتصرف بسيط:
عندما يتوفى إنسان، فإن زوجه وبنوه وأحبته سيفتقدونه، ويحزنون عليه. أما إذا رحل رجل بقامة «أبو عدنان»، فسيبكيه الفقراء، فوحده سخر من همومهم حد النكتة، حد الضحكة، حد الاقتصاص من الفقر والرقص على الهم.
كما سيبكيه التجار، فقد أضحكهم كما يضحك الإنسان لا كما يضحك المال.
كما سيبكيه المهندسون في «نوح».
ويبكيه المشكلجية في «حسينو».
ويبكيه الساسة وأصحاب المال في كل ما نبههم إليه.
ويبكيه السواح في لندن، وما أدراك ما أخذت لندن منا.
وسيبكيه المصريون، لأن لا أحد بعده سيشتري أهراماتهم. ويبكيه عُمر وحسين ومدحت وملحم وتميم ونهاش وغلام وجورج، على حد سواء.
وسيبكيه الفن والفنانون والقادة والأطفال الذين صاروا رجالاً ونساء وشيوخاً.
ويبكيه المظلوم و«العيار» على حد سواء.
وستبكيه اللهجات والحسينيات والمجالس والعوائل.
وتبكيه العروبة، إذ كان الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه حتى حين تعبوا من صعوبة الاتفاق.
وتبكيه الأمهات، إذ كان متنفسها الوحيد في البيوت التي لا تدخلها الحقيقة ولا تمر بها الضحكة. وتبكيه الأزمات إذ أرّخها كما لم ولن يستطيع كاتب ولا مؤرخ أن يفعل.
تبكيه الأوطان كلها، فلقد كان ميراثاً ثقافياً حضارياً لم تمتلكه الكويت فحسب، بل كان عرّاب القلوب من «بغداد إلى الصين».
وتبكيه المذاهب، فقد كان «أبو عدنان» المذهب الوحيد الذي عرفناه بلا هم السين ولا هم الشين.
تبكيه القيادات، كما تبكيه الشعوب، فلقد كان حديثاً متفقاً عليه.
تبكيه الكاميرات والاستديوهات والتسجيلات و«فنون» والفضائيات التي كان هو أجمل ما فيها.
لقد كبرنا على بساطه، وردحنا على أغنياته، وتعلمنا أن الضحك ثقافة وليس ابتذالاً، وأن الحب بالضحك أحلى، والزواج بالضحك أحلى، والعمل بالضحك أحلى، وأن الحياة ما هي إلا ضحك وذكاء.
كان عبدالحسين مفرنا من بلاوينا، وظلنا من شكوانا، فهون ما نزّل بنا، لكي يُمسد شكاوينا ببسماته.
لقد كان أسطورة سنظل نرويها لأولادنا وأحفادنا بقولنا: «كان ليس كما كان، كان أبو عدنان بطل الأزمان، مضى عنا في لندن، ولكنه بقي في كل مكان».
لقد آنستنا مذ ولدنا وحتى مماتك.. السلام الأبدي لروحك الطيبة يا «أبا عدنان».
* * *
عبدالحسين عبدالرضا، الرجل الوحيد، في تاريخ الكويت غير السياسي، الذي أجمع الشعب، مواطنين ومقيمين، على محبته والإعجاب بأعماله على مدى أكثر من نصف قرن، فواجب تقديم العزاء لأسرته مستحق علينا جميعاً.
أحمد الصراف