المرأة في الميراث (2 -2)

أغضب موقف جامع «الزيتونة»، المؤيد للحكومة، من محاولات تطوير القوانين المتعلقة بالمرأة، أطرافًا عدة، لأنه في إقرارها، حسب فهمهم، هدم للثوابت وخروج عن المعلوم من الدين بالضرورة، خاصة أن النصوص المتعلقة بالمرأة هي الأكثر «قدسية» عند هؤلاء، والأكثر إثارة لغضبهم عند الحديث عن تجديد الدين! فالرجم تعطل وسهم المؤلفة قلوبهم، وبقية الأسهم، توقف العمل بها، وقطع اليدين أصبح شيئًا من الماضي، ومع هذا لم يعترض أحد، لكن ما إن يأتي ذكر «حجاب المرأة» مثلاً حتى تنتفخ الأوداج غضبًا على أي اختلاف حول هذا الموضوع.
عندما تسلمت طالبان حكم أفغانستان كان حكمها يواجه عشرات آلاف المشاكل الأمنية والمعيشية، لكنها تركتها جانبًا وانشغلت وكل أجهزة الدولة بتطبيق الأحكام المتعلقة بمنع المرأة من الخروج من البيت، وطردها من جميع الوظائف جبرًا حتى لو كانت تعيل أسرة كبيرة العدد. كما أقفلت جميع مدارس تعليم الفتيات، وطلب منهن جميعًا ارتداء البرقع، أو الحجاب الكامل، وغير ذلك من إجراءات غير إنسانية.
وعندما تسلَّم الإخوان حكم مصر انشغلوا أولاً بحجاب المرأة، والحجر على تحركها، قبل الشروع في النظر في أي من مشاكل مصر الكبرى. وحدث الأمر ذاته في السودان والعراق وغيرهما.
وهكذا نرى أن المرأة هي محور اهتمام المتأسلمين، من سلف أو إخوان، وكل الجهلة وغير المدركين. ولو نظرنا إلى دول مثل باكستان وأندونيسيا وبنغلادش لرأينا أن المرأة هي غالبا ما تكون المعيلة لأكثر من %40 من الأسر، ومع هذا يهضم الرجل الذكر حقوقها، ويحرمها من حتى فتات حصتها من الميراث، وهي غالبًا التي تعمل وتصرف على الجميع، وتعتني بأمها وأبيها في مرضهما وشيخوختهما، ليأتي أخوها أو عمها بعدها ويشاركها في ميراث إنسان لم يره منذ عشرات السنين!
لقد قام المشروع الكويتي منذ أكثر من أربعين عامًا بإحداث تغيير أساسي في قوانين توزيع التركات، بإقرار قانون الوصية الواجبة، ولم يقل أحد حينها إنه يمثل خروجًا عن المعلوم من الدين، فلماذا أصبح مجرد التفكير في إنصاف المرأة، في ما يتعلق بأبسط حقوقها، خروجًا عن المعلوم من الدين؟ وإلى متى يجب أن تبقى المرأة تحت وصاية الذكر؟!
إن مشروع قانون المواريث الجديد في تونس يستحق أن يرى النور، وأن تكون تونس حاملة لواء تحرر المرأة من عبودية الرجل، فيكفينا ظلمًا لها، ويكفينا تخلفًا، ويكفينا كل ما فينا من اعوجاج.
إن المرأة التونسية سيكون لها، عاجلاً أو آجلا، الحق في الزواج بمن تريد. فهذا حق إنساني لا يجب الاختلاف عليه. كما أن من حقها أن تتساوى مع الرجل في الميراث. وهؤلاء الذين يعارضون إصلاح وضع المرأة هم الأكثر ظلمًا لها، والأكثر دفعًا لها للعمل خارج بيتها، لتجني المال ليرتاحوا هم من عرقها.
هل سأل أي من هؤلاء الغيورين على المرأة عن حكم قيام مئات الآلاف منهن بالتغرب لسنوات عن أوطانهن وأسرهن، والعمل في أكثر الأعمال وضاعة، في الدول العربية والآسيوية، لإعالة الملايين من أسرهن؟ لماذا سمحوا لها بالغربة والتعرض للمهانة والتعسف، ثم يأتون الآن ويعارضون حقها في الميراث؟!.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top