أحمد والصليب الأحمر
يعود الفضل في نشأة الصليب الأحمر إلى السويسري جان هنري دونانت، الذي فكر في يونيو عام 1859 في تأسيسها بعد أن وجد نفسه في بلدة سولفرينو، في شمال إيطاليا، أمام عشرات آلاف جثث جنود معركة نشبت بين الجيشين النمساوي والفرنسي، على مدى 16 ساعة من القتال الضاري، فأدخل منظرهم الفزع في قلبه، لأن لا أحد اهتم بدفن جثث عشرات آلاف القتلى، والعناية بما يزيد عليهم من المصابين، أو تقديم اي نوع من الخدمات الطبية، فتوجه بالتالي للسكان المحليين طالباً منهم تقديم يد المساعدة.
وعندما عاد لوطنه نشر كتاب «تذكار سولفرينو»، الذي وجّه فيه نداءين مهيبين: الأول يدعو إلى تشكيل جمعيات إغاثة عالمية تضم ممرضين وممرضات تكون مهمتهم رعاية جرحى الحروب، والدعوة إلى الاعتراف بأولئك المتطوعين الذين يتعين عليهم تقديم الخدمات الطبية، وحمايتهم بموجب اتفاق دولي.
وفي عام 1863 شَكَّلت «جمعية جنيف للمنفعة العامة»، وهي جمعية خيرية، لجنة لبحث إمكانية تطبيق أفكار دونان، وهكذا أوفدت 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية ممثلين لها إلى المؤتمر الدولي الذي افتتح في جنيف في 26 أكتوبر 1863، حيث تم اعتماد شارة اللجنة، التي تشبه العلم السويسري، عرفانا بفضل دونانت، صاحب فكرة اللجنة. وبعدها توالت الاتفاقيات والمعاهدات لتشمل فئات أخرى من ضحايا الحروب.
واليوم أصبح للصليب الأحمر ممثلون «دبلوماسيون» في 60 دولة، ومنها الكويت، ويعمل بوكالاتها قرابة 12 ألف موظف في 80 دولة، تتلخص مهمتهم في زيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين، والبحث عن المفقودين، ونقل الرسائل بين أبناء الأسر التي شتتها النزاع، وإعادة الروابط بينها، وتوفير الغذاء والماء والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية، إضافة لنشر المعرفة بالقانون الإنساني، ومراقبة الالتزام به، ولفت الانتباه إلى الانتهاكات، والقيام بجميع الأعمال الإنسانية التي لم تكن تعني شيئا لأحد في السابق، وبالتالي كان للجنة دور حيوي ومهم في إنقاذ حياة مئات الآلاف من الجرحى، وأسرى الحروب، ولها فضل كبير على الإنسانية ودور لا يمكن التقليل منه.
وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة غير متحيزة لأي طرف ومستقلة، وغير حكومية، وقد أسندت لها مختلف دول العالم طواعية مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال مختلف الاتفاقيات، التي جعلت من هذه المنظمة، بعد 150 عاما من تأسيسها، واحدة من أفضل وأهم المنظمات الدولية في مجالها، والتي لم تشب سيرتها أية شائبة طوال هذه الفترة الطويلة والمملوءة بالاضطرابات.
وجدير بالذكر أن الدولة العثمانية، في بداية القرن الماضي، هي التي وضعت الهلال الأحمر كشارة لجمعيتها وتبعتها بقية الدول الإسلامية. كما اختارت إيران الشاه شارة «الأسد والشمس الحمراء»، قبل تخلي الخميني عنها، رغم اعتراف العالم بها رسميا.
وفي عام 1992 دعا رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى وضع شارة إضافية مجرّدة من أي مدلول وطني أو سياسي أو ديني، وبذا تم اختيار الكريستالة (البلورة) الحمراء.
مناسبة هذا المقال هو سؤال صديقي أحمد عن اي الجهات الأكثر استحقاقا لكي يتبرع لها بمبلغ كبير من المال، جمعياتنا «الخيرية»، أم اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟ وللقارئ توقع إجابتي!
أحمد الصراف