جحا.. أو الملا نصر الدين
جحا شخصية فكاهية تاريخية أُلصقت به وبحماره مئات الطرائف والنكات، خصوصا تلك التي يختلط الغباء فيها بالحكمة. وجحا شخصية يعرفها الغرب كما يعرفون الشخصيات العربية الأخرى، الأكثر لمعانا وسحرا، كسندباد وعلي بابا، التي طالما داعبت قصصهم مخيلة أطفال أوروبا والغرب عموما.
ظهرت شخصية جحا في الأدب في القرن التاسع الميلادي، وربما كانت موجودة قبل ذلك على ألسنة الحكواتية، وأصبحت مع الوقت جزءا من تراث العرب المسلمين أينما كانوا، مع بعض التحوير، فالأتراك يعرفونه بـ«جويفا». كما يعرف بـ«الملا نصر الدين» في إيران وأذربيجان وجوارهما، وأيضا لدى الأكراد. ويعتقد أن شخصية جحا وحماره، هي التي ألهمت الروائي الأسباني الكبير «سرفانتس» في خلق شخصية «دون كيخوتيه»، الرواية الأشهر في التاريخ!
وعلى الرغم من أن شخصية ما، بمواصفات محددة، عاشت، في فترة ما، في حاضرة إسلامية، فإن من المعقول القول إنها لا تخص فردا بعينه، فمن قائل إنه «أبو الغصن دُجين الفزاري، الذي عاصر الدولة الأموية. والبعض الآخر يقول إنه الشيخ نصر الدين خوجة، الرومي الذي عاش في قونية أيام حكم المغول للأناضول، وإلى الأخير تنسب غالبية قصص جحا في الأدب الغربي.
كما تنسب شخصية جحا إلى أبي نواس البغدادي الذي كان مرافقا لهارون الرشيد، وشاعره والمرفه الشخصي له. وقد عرف عن أبي نواس البغدادي فكاهته وسعة حيلته. وقد اشتهرت هذه الشخصية لاحقاً باسم جحا في بلاد ما بين النهرين، وهذا برأينا احتمال ضعيف، فشخصية جحا هي غالبا على هيئة رجل كبير في السن وفقير، وليس له في الشعر درب أو طريق.
انتشرت قصص جحا لما تضمنته من مواقف طريفة، وساخرة، وفيها مسحة ذكاء كوميدي ساخر، وبالتالي سهل انتشارها ونسبتها لشخصية محددة. ولا نبالغ ان ذكرنا أن غالبية دول العالم لها «جحاها» الخاص بها، الذي ينسجم مع ظروفها وأسلوب معيشتها. وما ينطبق على تكرار قصص وطرائف جحا في أكثر من شكل وطريقة وأسلوب ولغة، ينطبق على الطرائف والنكت العصرية التي ألاحظ عندما أروي بعضها بين أوروبيين أو أتراك أو هنود مثلا، أن لديهم ما يماثلها، خصوصا في نهايتها المضحكة، مع تغيير بسيط في أسماء الأماكن أو الحكام.
ورد ذكر جحا في كتب الجلال السيوطي، والذهبي، والحافظ ابن الجوزي، الذين رووا عنه قصصا تدل على الفطنة والذكاء المشوب بادعاء الغباء. ومن طرائف ما ينقل عنه أنه جلس يوماً على منصة الوعظ في جامع، وقال: أيها المؤمنون، هل تعلمون ما سأقوله لكم؟ فأجابوه: كلا، لا ندري. فقال: إذا كنتم لا تعلمون، فما الفائدة من التكلم، ثم نزل عن المنبر، وعاد في يوم آخر فألقى عليهم نفس السؤال، فأجابوه هذه المرة: أجل، نعلم، فقال: ما دمتم تعلمون ما سأقوله فما فائدة قوله. فحار الحاضرون في أمرهم واتفقوا فيما بينهم، على أن تكون الإجابة في المرة القادمة متناقضة، قسم يجيب بلا، وآخر يجيب بنعم! ولما أتاهم المرة الثالثة، وألقى عليهم سؤاله، اختلفت إجاباتهم بين: نعم ولا، فقال: حسناً جداً مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم.
وكان جحا راكباً يوما حماره حينما مر ببعض القوم وأراد أحدهم أن يمزح معه فقال له: يا جحا لقد عرفت حمارك ولم أعرفك فقال جحا: هذا طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها.
أحمد الصراف