الطائفية.. وقانون نيوتن!

يقول القانون الثالث لإسحق نيوتن، أعظم عالم عرفته البشرية، إن لكل فعلٍ ردَ فعلٍ مساوياً له في القوة ومعاكساً له في الاتجاه. فلو قفز شخص من قارب صغير لرصيف الميناء، فإن قوة القفزة تعادل قوة ارتداد أو تراجع القارب عن الرصيف!
ما يحدث في الكويت، منذ ما بعد التحرير بقليل، بين طوائف المجتمع، ينطبق عليه قانون نيوتن. فكلما زاد تطرف جهة ما قابله تطرف مساوٍ له في العنف، ومعاكسٌ له في الاتجاه، وكل ذلك على حساب وحدة الوطن وتلاحم مكوناته.
فعندما قامت قوى الأمن باعتبار ثلاثة من رجال الدين الشيعة، الأجانب، الذين قام البعض بدعوتهم إلى إلقاء خطب دينية، أشخاصاً غير مرغوب فيهم، وعليهم مغادرة البلاد، ضج الكثيرون من القرار واعتبروه ماساً بهم، ولكن هؤلاء أنفسهم ربما لم ينطقوا بحرف عندما رفضت الجهات الأمنية نفسها السماح لدعاة ينتمون الى الفريق الآخر بدخول البلاد، لكي لا يثيروا قضايا طائفية نحن في غنى عنها.
أكتب هذا بمناسبة ما أصبحنا نراه من مظاهر دينية في أحياء ومناطق كثيرة، لم نكن نعرفها في السابق، وكل هذا التسابق في إقامة الشعائر الدينية، والإصرار عليها من هذا الطرف، وأحياناً من «ممثلين» للطرف الآخر، هي مظاهر تتضمن مبالغة لا تتطلبها المناسبة الدينية بقدر ما تتطلبنا ضرورات «مناكفة» الطرف الآخر، وحالة من إثبات الوجود التي لا داعي لها.
إن استحضار ذكرى مناسبة دينية حزينة، مع كل ما يصاحب هذا العمل من مظاهر بكاء وندب، يجب ألا تتحول الى تظاهرة ضد الآخر، ولا يجب أن ينظر إليها الطرف الآخر بكل تلك العدائية، حتى لو اعتقد أنها خارجة عن مألوف فهمه الديني، وهذا يجب أن يكون أمراً طبيعياً، فالعالم أجمع يختلف عنا في كل فكر ومعتقد، ولا يمكن بالتالي أن نعاديه بسبب ذلك، وإلا متنا من الجوع والقهر!
وكانت لافتةً قراءةُ تلك التغريدة التي أرسلها باحث عن الإثارة ومثير للنعرات الطائفية، في يوم العاشر من محرم، التي وقَّت فيها تهنئة المسلمين بقدوم محرم، في يوم حزن كبير. وعندما لاحظ تفاهة ما فعل، كَحَّلها بالقول إنه كان يقصد تهنئة المسلمين بالسنة الهجرية، بعد عشرة أيام من بدئها!
وبالتالي لن يكون مستغرباً مشاهدة انعكاس مضاعفات مثل هذه التصرفات الحمقاء، أو «الحقداء» (من حقد) وغيرها، في مظاهر تطرف مذهبية مضادة أكثر، وما سيقابلها من رد فعل مساوٍ لها من الطرف الآخر.. وهكذا. فالتطرف الشيعي من البعض في غالبه جاء كرد فعل للتطرف السني من البعض الآخر، والعكس صحيح طبعاً. كما أن التطرف والمغالاة السنية ضد الآخر كانا أساساً رد فعل بدأ مع استفحال الحرب، العسكرية والمذهبية، بين العراق وإيران.
وبالتالي علينا جميعاً، أو على ما تبقى من عقلاء بيننا، السعي إلى التخفيف من كل هذا العداء المذهبي. فقوتنا تكمن في اتحادنا وتآزرنا، فوضعنا لا يتحمل كل هذا البغض. وعلى الحكومة منع المظاهر المبالغ بها من الطرفين، وإزالة الشعارات والأعلام واللوحات الدينية عن المنازل والمباني الخاصة، وتطبيق قوانين محاسبة مثيري النعرات الطائفية، ومنع دخول رجال الدين، في أي مناسبة، ولأي فريق انتموا، فنحن بحاجة الى علماء أطباء، وخبرات عالمية هندسية وتعليمية، وليس دينية، فلدينا ما يكفين

الارشيف

Back to Top