نحن.. أم «ماما» الحكومة..؟!

علمياً، لا يوجد طفل مطيع وآخر مشاكس، أو طفل جبان وآخر جريء؛ فالعنيف مع أقرانه يرى العنف في البيت. والطفل الذي يغار يفعل ذلك، لأنه مهمل. أما الطفل الدائم الغضب فهو الذي لا يسمع مديحا ولا تشجيعا من أهله. والطفل المزعج هو الذي يفتقد الحب والحنان. والمنطوي هو الذي ينشغل عنه والداه. والضعيف في الكلام هو غالبا الذي لا يحاول أبواه التحدث معه، إلى آخر ذلك من أمثلة، وهذا كلام عام، ولا ينطبق بالضرورة على الجميع.

* * *
لا أتذكر من اخترع التعبير الصحافي الشائع «ماما الحكومة»، وربما يكون الزميل العجيب حسن العيسى، فهو تعبير يمثّل الواقع، ويتماشى تماما مع مقال الأحد الماضي الذي تعلّق موضوعه باختلافي مع الزميل الآخر عبداللطيف الدعيج في الطرف المسؤول عن تردّي أوضاعنا، هل هو الحكومة، أم المواطن؟
وردّا على ما لقيه المقال من اهتمام، ولو قليلا، ولكن من أطراف مؤثرة، فإن هذا ردي على ما كتبوا او ذكروا:
الكويت فريدة في نظام حكمها. فلا هي بالرئاسية ولا بالبرلمانية، ولا بالرأسمالية، ولا بالاشتراكية، بل خليط من كل ذلك.
وماما الحكومة تمتلك %90 من أراضي الدولة، إما لوجود آبار ومكامن النفط فيها، مع ما يتبع ذلك من وحدات إنتاج وتكرير، وإما أرض عسكرية، وإما مخازن «موزاد»، وإما زرائب ماشية، وإما أراضي المصانع، وغيرها، هذا بخلاف كامل الشريط الساحلي تقريبا. وبالتالي، بيدها المنح والمنع، والمصادرة، فغالبية ما بيد القطاع الخاص من أراضي الدولة مقيدة بعقود إيجار تجدّد سنويا.
كما تمتلك الدولة كامل مورد الدخل الوحيد، وهو البترول، وتكريره وبيعه.
كما أن الدولة، وليس الشركات، هي التي بيدها المناقصات الصغيرة والضخمة.
وفي مدارس الدولة يتلقى أكثر من %80 من الطلبة تعليمهم، وحسب ما تشتهي الحكومة، وبالطريقة التي تراها مناسبة.
كما أنها التي تقرر ما يحق للطفل الصغير أو لطالب الجامعة تلقيه من علم.
كما أن الحكومة هي أكبر رب عمل، وهي المسيطرة على باقي الأنشطة التجارية، بطريقة أو بأخرى.
كما أنها تقرر من يدرس على حسابها في الخارج، ومن يحق له تلقي العلاج على نفقتها، وفي الخارج أيضا.
كما أنها تمتلك حق المنع والمنح لإقامة دور العبادة، وتتحكم في %80 مما يدرس فيها من دروس دينية، وهي التي تعيّن الأئمة وخطباء المساجد، وهي التي تلقنهم مواضيع خطبهم.
كما أنها المسيطرة بشكل كامل على وسائل الإعلام، وبيدها قانون مطبوعات ونشر لا يرحم.
وعندما يتزوج المواطن، يكون غالبا معتمدا على منحة «الماما» الحكومة النقدية السخية، للصرف على زواجه.
كما يقوم فور زواجه بمطالبة «الماما» الحكومة ببيت، وقبلها بعلاوة سكن.
وعندما يمرض يلجأ الى مستشفيات الحكومة، ويعتمد بالكامل على أدويتها.
وعندما يأتي أجله، يُدفن في مدافن الحكومة، وبشروطها ويكفن، غالبا بأكفانها، وبأيدي عمالها.
وبالتالي الحكومة الكويتية الرشيدة مسؤولة كليا عن أخلاق المواطن، من المهد إلى اللحد، وبالتالي هي التي تكسبه غالبية صفاته الأخلاقية من أدب وقلة أدب، وأمانة وحرمنة، وميل للسلام أو للعنف، للثقة بالنفس، أو للاستسلام، لحب الوطن، أو للسلبية، فـ «الماما» الحكومة، هي التي روضت، بعلمها أو بغير ذلك، هذا الشعب على ما هو عليه، ومن لا يعجبه ذلك فعليه الاستقلال بنفسه، والخلاص من سيطرة الحكومة، ومدارسها، ومناهجها ومنح زواجها، وقسائم سكناها ومخازنها ومستشفياتها وروضاتها، وجامعتها!

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top