ما بعد مهاتير
يعتبر مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، النسخة الإسلامية، وإن بتحفّظ شديد، من الزعيم السنغافوري الراحل الكبير لي كوان يو.
ولد مهاتير عام 1925، وأصبح رئيسا لوزراء ماليزيا في 1981 وبقي حتى 2003 رعى خلالها نهضة ماليزيا، ودفعها للتقدم الحضاري والصناعي، والإنساني.
في منتدى أقيم في نوفمبر 2014 في كوالالمبور لمناقشة موضوع الفكر والحضارة، وبالذات الشق المتعلّق بالدولة المدنية، كان للكلمة التي ألقاها مهاتير صدى واسع، وكان كأنه يتكلم عن دولنا، ويدرك مكامن الخلل والعطب فيها. كما وصف الدواء الناجز لأزمات المجتمع العربي. وقد قام الأكاديمي الإماراتي سليمان الجاسم بتلخيص ما قاله مهاتير في النقاط التالية:
أولاً – تقديم التنازلات طريق الاستقرار. فتعدد أعراق وأديان وثقافات اي بلد يتطلب من أطرافه الاتفاق على تنازلات متبادلة من قبل الجميع لكي يمكن توطين الاستقرار والسير في التنمية.
ثانياً – لا بد من ضبط البوصلة، من خلال توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب، وهي: الفقر والبطالة والجوع والجهل، وعدم الانشغال بالايديولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع، وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه، فهذه قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتنازع. فقد صرف المسلمون أوقاتاً وجهوداً كبيرة في معارك تاريخية مثل الصراع بين السُّنة والشيعة، وغيرها من المعارك القديمة.
ثالثاً – الفتاوى لن تحل مشاكل المسلمين، فقيادة المجتمعات المسلمة والحركة بها للأمام ينبغي ألا تخضعا لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ؛ فالمجتمعات المسلمة رضخت كثيرا لفتاوى وتصورات فقهية لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ. وإن قول العديد من الفقهاء إن فتاواهم كافية لتحقيق النهوض والتقدم أثّر سلباً في المجتمع، فقد انخفضت لدينا نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة، والطب، بل بلغ الأمر في بعض الكتابات الدينية إلى تحريم الانشغال بهذه العلوم.
رابعاً – عون الله لا ينزل على المُتعصّبين، والله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم، فنحن المسلمون قسّمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرقا يقتل بعضها بعضاً بدم بارد، فأصبحت طاقتنا مُهدرة بسبب ثقافة الثأر والانتقام التي يحرص المتعصبون على نشرها في أرجاء الأمة عبر كل الوسائل وبحماسة زائدة، ثم بعد كل ذلك نطلب من الله أن يرحمنا ويجعل السلام والاستقرار يستوطنان أرضنا!
وإننا في ماليزيا قررنا أن نعبر للمستقبل وبمشاركة كل المكونات العرقية والدينية والثقافية من دون الالتفات الى عذابات ومعارك الماضي، فنحن أبناء اليوم وأبناء ماليزيا الموحدة نعيش تحت سقف واحد ومن حقنا جميعاً أن نتمتع بخيرات هذا الوطن.
هذا كان في 2014، أما الآن، فقد تغيّر الوضع في ماليزيا في السنوات القليلة الماضية كثيرا. فقد تخلت عن تسامحها، وعادت للتشدّد الديني ضد بقية مكوّنات الأمة، وأصبح حتى استخدام لفظ الجلالة «الله» محصورا، بحكم قضائي، في المسلمين دون غيرهم. كما منعت الحكومة مؤخرا كتبا دينية تدعو لإسلام اكثر تسامحا مع مكونات المجتمع الأخرى، مع التحذير بسجن كل من يتداول الكتاب لثلاث سنوات. كما أصبحت الحكومة أكثر حساسية مع الأعمال الفنية أو الأدبية التي تتضمن، ولو إشارة بسيطة، لمواضيع دينية، أو تدعو الى التسامح.
وهنا نرحّب بعودة ماليزيا لـ «حظيرة» شقيقاتها.