عندما تكون التقاليد أهم من الأخلاق
في أواخر ستينات القرن الماضي زار صديق كويتي أسرة في أميركا، واثناء تحضير العشاء لاحظ صديقي أن الزوجة تقوم بتقطيع طرفي السمكة قبل وضعها في الفرن، وعندما سألها عن السبب قالت إنها تعلمت ذلك من والدتها. بعد العشاء طلب منها الاتصال بها لسؤالها عن الحكمة من وراء تقطيع طرفي السمكة، فاتصلت بوالدتها، التي أخبرتها أنها كانت تفعل ذلك لأن أمها، أي الجدة، وعند سؤال الجدة عن السبب ردت ببساطة بأنها كانت تقوم بذلك، لأن حجم الفرن الذي كان لديها لم يكن يسع حجم أي سمكة كاملة، وكانت مجبرة بالتالي على قطع أطرافها! ونحن جميعا تقريبا نقوم بأداء الطقوس نفسها، ونتصرف بالطريقة نفسها، ونتكلم بالأسلوب نفسه، الذي اعتاد آباؤنا وأمهاتنا على التحدث أو التصرف به. وبالتالي فإن ميلنا الى نوع من الاعتقاد أو الطعام لا علاقة له بجودة ذلك الطعام، بقدر تعلقه بما اعتدنا عليه، وبالتالي من الصعب جدا، او من المستحيل، أن نقنع لبنانياً مثلاً بأن التبولة غير لذيذة، أو ندفع أردنياً إلى كراهية المنسف، أو أن يوافقنا كويتي على أن المجبوس أكلة «بايخة»، وهكذا نرى أننا جميعًا أسرى عاداتنا ومعتقداتنا وما اعتدنا عليه منذ الصغر!
وفي تجربة طريفة تم إيقاف عشرات الأشخاص، من مشارب مختلفة، في خط مستقيم، بعضهم خلف بعض. وطلب من آخر واحد في الصف أن يطلب من الذي يقف أمامه بالاستدارة وتقليد حركة محددة قام بها، وأن يطلب من الذي يقف أمامه بأداء الحركة نفسها، وليقوم الأخير بالطلب من الذي يقف أمامه بالاستدارة والقيام بالحركة نفسها، وهكذا إلى أن وصل طلب أداء الحركة نفسها لمن كان يقف في أول الصف، وهنا طلب منه أن يذهب لأول من أدى الحركة، ويقوم بأداء الحركة أمامه، كما وصلته، وكانت المفاجأة كبيرة، عندما تبين للجميع أن الحركة البسيطة التي بدأت من الأول انتهت الى شيء آخر مختلف تمامًا عندما وصلت الى آخر شخص في الطابور! وكل ذلك حدث خلال فترة تجربة لم تزد عن بضع دقائق، فما بالك بقول أو حدث قيل أو وقع قبل مئة أو ألف عام؟!
وفي محاضرة ألقاها جيمس ويلدمان james wildman، قال، وهو يشير الى دائرتين على الشاشة، زرقاء وحمراء، إنهما ليستا متساويتين، وطلب من الحضور تحديد الدائرة الأكبر، البعض قال الزرقاء، وآخرون قالوا الحمراء، وسكت البقية، فأضاف ان الغالبية خالفت غريزتها، لأنه أوحى لها بأن واحدة أكبر من الأخرى، والحقيقة أن الدائرتين متساويتان، وهذا يعني أنه من السهل أن ننقاد للأفكار الخاطئة. وقال إننا لو كنا صغارًا، وتم إقناعنا بأن الحمراء أكبر، وتكرر تأكيد ذلك على مسامعنا، فإن هذا يصبح مع الوقت حقيقة لدينا. وإذا نجح طرف ما في إقناع المجتمع بأن الكرة الحمراء أكبر، فإن ذلك يصبح جزءًا من ثقافته. وإن نجح المجتمع في إيصال تلك الثقافة الى الجيل الآخر فإنها تصبح تقليدًا راسخًا. وهذا يبين أن وجود تقاليد معينة في أي مجتمع لا يعني إطلاقًا أنها مقبولة من الناحية الأخلاقية. فتقاليد دول كثيرة، وحتى 60 عامًا في الكويت مثلاً، كانت تتقبل وجود رقيق، واليوم أصبح الأمر غير مقبول.
أترك القارئ هنا للتفكير في الهدف من هذا المقال.
أحمد الصراف
وفي تجربة طريفة تم إيقاف عشرات الأشخاص، من مشارب مختلفة، في خط مستقيم، بعضهم خلف بعض. وطلب من آخر واحد في الصف أن يطلب من الذي يقف أمامه بالاستدارة وتقليد حركة محددة قام بها، وأن يطلب من الذي يقف أمامه بأداء الحركة نفسها، وليقوم الأخير بالطلب من الذي يقف أمامه بالاستدارة والقيام بالحركة نفسها، وهكذا إلى أن وصل طلب أداء الحركة نفسها لمن كان يقف في أول الصف، وهنا طلب منه أن يذهب لأول من أدى الحركة، ويقوم بأداء الحركة أمامه، كما وصلته، وكانت المفاجأة كبيرة، عندما تبين للجميع أن الحركة البسيطة التي بدأت من الأول انتهت الى شيء آخر مختلف تمامًا عندما وصلت الى آخر شخص في الطابور! وكل ذلك حدث خلال فترة تجربة لم تزد عن بضع دقائق، فما بالك بقول أو حدث قيل أو وقع قبل مئة أو ألف عام؟!
وفي محاضرة ألقاها جيمس ويلدمان james wildman، قال، وهو يشير الى دائرتين على الشاشة، زرقاء وحمراء، إنهما ليستا متساويتين، وطلب من الحضور تحديد الدائرة الأكبر، البعض قال الزرقاء، وآخرون قالوا الحمراء، وسكت البقية، فأضاف ان الغالبية خالفت غريزتها، لأنه أوحى لها بأن واحدة أكبر من الأخرى، والحقيقة أن الدائرتين متساويتان، وهذا يعني أنه من السهل أن ننقاد للأفكار الخاطئة. وقال إننا لو كنا صغارًا، وتم إقناعنا بأن الحمراء أكبر، وتكرر تأكيد ذلك على مسامعنا، فإن هذا يصبح مع الوقت حقيقة لدينا. وإذا نجح طرف ما في إقناع المجتمع بأن الكرة الحمراء أكبر، فإن ذلك يصبح جزءًا من ثقافته. وإن نجح المجتمع في إيصال تلك الثقافة الى الجيل الآخر فإنها تصبح تقليدًا راسخًا. وهذا يبين أن وجود تقاليد معينة في أي مجتمع لا يعني إطلاقًا أنها مقبولة من الناحية الأخلاقية. فتقاليد دول كثيرة، وحتى 60 عامًا في الكويت مثلاً، كانت تتقبل وجود رقيق، واليوم أصبح الأمر غير مقبول.
أترك القارئ هنا للتفكير في الهدف من هذا المقال.
أحمد الصراف