تزوير
لقد تغضنت جلودنا، وأصبحت كجلود الفيلة، وتيبست مشاعرنا، وأصبحنا سلبيين كالأسماك، إزاء كل ما يحدث وما نسمع من مشاكل وقضايا رشوة وفساد، بحيث أصبح لا شيء يهزنا، ولا ناقوس يوقظنا، ولا قرصة عقل تعيد الوعي لنا. فكيف يمكن أن نقرأ أن هناك 22 ألف مبتعث للدراسة في الخارج، والذين سيكونون قياديي المستقبل، في الجهات الأمنية والمالية وهيئات مكافحة الفساد والمؤسسات الدينية، متلاعبون ولم يسافروا إلى دول جامعاتهم لأكثر من أسبوع في السنة، ويبقى في رأسنا عقل؟ كيف يمكن لخبر كهذا، ينشر على الصفحات الأولى من الصحف (جريدة الجريدة 16/12)، ولا يتحرك فينا «عرج»؟!
وعلى الرغم من أن «التعليم العالي» طلبت من الديوان وضع لائحة بأسماء من ثبت تلاعبهم، لعدم ترشيحهم لوظائف إشرافية مستقبلاً، إلا أنه غير معروف الآلية التي ستستخدمها في تنفيذ ذلك، وكيف يمكن للوزارة الوقوف في وجه تدخل آباء ونواب ووزراء هؤلاء الطلبة، إن أوقف توظيفهم؟!
وماذا عن الجامعات التي سبق أن أرسلوا لتلقي الدراسة فيها، فإن كانت محترمة ومعترفًا بها، فكيف قبلت حضور الطالب لأسبوع دراسي واحد في السنة، ولا تقوم بفصله منها، ولا تعلم الجهة المعنية، وهي هنا وزارة التعليم العالي في الكويت بالأمر؟ وإن كانت غير جادة مع طلابها وغير معترف بها، فكيف أرسل الطلبة لتلقي العلم فيها، وهي بهذه الهلهلة والسمعة المبهدلة؟ وكيف استطاع الكثير من هؤلاء الطلبة الجمع بين وظائفهم في الكويت والدراسة في الخارج، في وقت واحد؟ ومئة كيف ولماذا أخرى!
ومن جانب آخر، كيف استطاع مواطن خليجي، وفي أغرب عملية تزوير، الحصول على الجنسية الكويتية لنفسه ولاثنين من أشقائه، حيث قام بتسجيلهما في ملف الجنسية على أنهما ابناه.
وكان المزور الخليجي قد دخل إلى الأراضي الكويتية عبر التهريب من منفذ بري. كما نجح في تهريب شقيقيه بالطريقة نفسها. وتمكن، عبر سلسلة من المعارف والواسطات، وحتما الرشى، من الحصول على الجنسية الكويتية، وتقييد شقيقيه على أنهما ابناه، كما تمكن من تسجيل أحد «شقيقيه»، أو ابنيه، حسب الوثائق الكويتية، على أنه مصاب بإعاقة شديدة.
لا يهمنا كيف جرت عملية التدليس والتزوير والغش هذه، فقد حدث مثلها عشرات الآلاف، والأخ الكريم صالح الفضالة، خير من يعرف ذلك، لكننا معنيون بتقدير الكم الكبير جدًا من موظفي الدولة، الصائمين المصلين غالبًا، الذين ساعدوا هذا الشخص، وأخويه، على دخول البلاد خلسة وفتح ملفات لهم في عشرات الجهات الحكومية، وتزوير مئات الشهادات والكتب والتقارير الطبية، وتمكينهم من صرف مئات آلاف الدنانير، كل عام، في صورة رواتب وعلاوات وخدمات طبية، ومواد مدعومة ومساعدات اجتماعية، وخدمات وأدوية طبية! فكيف تمكن من خداع إدارة الجنسية، وإدارة الجوازات، وهيئة الإعاقة، واللجان الطبية، ووزارة الدفاع، والبطاقة المدنية، ولجان الإسكان، وبنك التمويل، وخمطة أخرى من الجهات الحكومية، وهو غالبًا أقرب للأمية منه لحملة شهادة مضروبة؟
كيف يحدث ذلك في دولة بها أكثر من 1600 مسجد، وتصرف الدولة عليها وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المعنية بـ«إرشاد» الأمة، مئات ملايين الدنانير؟!
إن بناء طريق الحرير سهل، فهو لا يحتاج لغير بضعة مليارات، ومئات آلاف العمال الأجانب، ولكن ماذا عن بناء المواطن الصالح؟!
***
نشكر إدارة البحث والتحري في وزارة الداخلية، واللواء مازن الجراح، على كشف السوري الذي قام برشوة أربعة مواطنين كويتيين لإضافة أبنائه للملفات من أجل استخراج جنسية لهم. باقي كشف الـ200 ألف مزور و200 ألف مواطن مرتشٍ! فمتى نطلق يد من يعرف لكشف هؤلاء؟!.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top