هيئة المليارات الثمانية
لا يمكن تخيل حجم الصلاحيات والمسؤوليات التي منحها القانون لهيئة الطرق والنقل البري، والقوة التي أصبحت تحت يدها. وبالتالي، لم يكن غريباً تردد وزارة الأشغال لسنوات قبل الموافقة على تسليم الهيئة حق الإشراف على الطرق، والتي كانت بمنزلة الدجاجة التي تبيض ذهباً. ولا تزال وزارات أخرى، كالداخلية، مترددة في تسليم بعض صلاحياتها للهيئة! وهنا يمكنني القول إنه ليس هناك من يمتلك المعرفة والقدرة لإدارة الهيئة بكفاءة وحرص، مع الاحترام لمن أنيطت بهم مسؤولية إدارتها، فهذه الجهة مسؤولة عن كل الطرق البرية، والسكك الحديدية والمترو، ومحطات الاستراحة وحق امتلاك أو استئجار العقارات، والمواد والمعدات واختيار واختبار كل برامج الكمبيوتر اللازمة لأداء عملها، ومراقبة حركات كل قطاع فيها، وتحديد تعرفة النقل وفرض الرسوم، وتحصيل الغرامات، ورسم سياسة النقل في الدولة، وتنفيذ المشاريع، والإشراف على كل الأنشطة التي تقع ضمن حرم الطرق، بما في ذلك نظام إشارات المرور وتراخيص المركبات، ووضع سياسات مزاولة أنشطة النقل البري ومنح تراخيصها، ووضع معايير الفحص الفني لجميع المركبات وتطويرها وإدارتها وتراخيصها والإشراف عليها وإصدار وتجديد رخص القيادة، وفحص أنظمة النقل الجماعي والتأكد من سلامتها، وبناء والإشراف على مراكز الفحص الفني وترخيصها واشتراطات التأمين على جميع المركبات، وحالتها الفنية واشتراطات من يقودها، وخبرته في القيادة، وإدارة وتشغيل نظم وزن الشاحنات والتنسيق مع الجهات المعنية، وتأسيس شركات مساهمة أو المشاركة فيها لتنفيذ مشاريعها، وغير ذلك الكثير الذي لا يتسع المجال لذكره. ويكفي أن نعلم أن حجم مشاريع الطرق، قيد التنفيذ، أو التي تم الاتفاق على تنفيذها في السنوات القليلة القادمة، يزيد على 20 مليار دولار. كما تعتبر وزارة الأشغال والبلدية، قبل أن يتولى أمرها المهندس أحمد المنفوحي، وكراً للفساد، وأنا أتكلم عن تجربة شخصية مع الأشغال طالت لسنوات، والخوف أن ينتقل فساد الوزارة للهيئة، وهذا أمر وارد جداً. فلو نظرنا لطرقنا، دع عنك بقية مشاريع الدولة التي نفذتها الأشغال، والتي لم يسلم مبنى واحد منها من الخراب والفساد، لوجدنا أن سبب سوء حالتها يعود في جزء كبير منه للفساد في تأهيل الشركات، وفي الأسعار ونوعية آلات الرصف والتزفيت، وعدم مطابقتها للمواصفات، أو قدمها، وفي سوء المصنعية، وسوء المواد المستخدمة، بسبب غياب الرقابة، والتلاعب في مواصفات الأكريكت وفي صلاحية مادة الأسفلت، ونوعيته، ودرجة حرارته عند وصوله إلى الموقع، وغير ذلك من مواصفات المناقصة التي ترد عادة في مئات الصفحات، التي لو اطلع عليها المقاول، وعرف أن عليه الالتزام بها، لما شارك في المناقصة أصلاً، هذا غير التلاعب في عينات المختبر، والتساهل في مرحلة الصيانة. وبالتالي، أصبحت طرقنا أقل تحملاً لأي عوامل بيئية، وأكثر عرضة للتشقق والتقشر، وتطاير الحصى منها، هذا على افتراض التزام المقاول بفترة الصيانة كاملة.
إن المبالغ المرصودة لمشاريع هيئة الطرق يسيل لها اللعاب، ومطلوب من المسؤولين عنها درجة عالية من النزاهة، وهذا ليس بالأمر السهل.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top