معاطف الفرو
قبل الدخول في مقال اليوم، دعونا نروِ الطرفة التالية: ذهب رجل إلى البنك ليبلغ عن ضياع بطاقة الصرف الآلي الخاصة بزوجته التي فقدت قبل ستة أشهر، وعندما سأله الموظف عن سبب تأخّره في إبلاغ البنك، قال إن من سرقها كان يصرف أقل بكثير من زوجته، وحضر الآن ليبلغ عن فقدانها، لأنه بدأ يصرف مثلها.
* * *
دار جدل بين مختلف الخبراء الماليين على الأسلوب الأفضل لتمويل عجز موازنة الدولة للسنوات المقبلة: هل يكون بالاقتراض من المصارف، أو تسييل بعض استثمارات الدولة واستخدام العائد لسد العجز أو سد شهية الحكومة للسيولة، التي تبلغ 25 مليار دينار، أو 75 مليار دولار، وهو مبلغ كبير جدّاً، وبأي مقياس كان، لدولة بمثل حجمنا؟
كانت حجج البنك المركزي، في المفاضلة بين الخيارين، الأكثر إقناعاً للكثيرين، حيث رجّح البنك أفضلية الاقتراض على فكرة تسييل الاستثمارات، لأن تكلفة الاقتراض أقل بكثير من دخلنا الناتج من الاستثمارات، ولم يعجب هذا الرأي مخالفي الاقتراض!
وفي تصريح أدلى به وزير النفط الكويتي السابق عصام المرزوق لـ القبس، 26 مارس 2017، ذكر أن سعر البرميل في الميزانية تم اعتماده بـ45 دولاراً، في حين سعر التعادل الذي اعتمدته الحكومة هو 70 دولاراً للبرميل. وكان سعر التعادل قبل سنوات قليلة يبلغ 25 دولاراً، ثم ارتفع إلى 50 دولاراً، ليعود ويرتفع حالياً إلى 70 دولاراً، أي إن على الدولة بيع برميل النفط بهذا السعر لتمكنها مواجهة ما تم اعتماده من مصروفات، دع عنك تحقيق أي وفر، وهذا ليس ممكناً في ظل أسعار النفط الحالية. وبالتالي، يمثل الفرق بين سعر التعادل والسعر السائد العجز في موازنة الدولة، والمرشح للارتفاع مع كل هذا البذخ غير المعقول في الصرف، علماً بأن موازنة 2017 ــــ 2018 احتوت على عجز مالي ضخم، للعام الثالث على التوالي، بسبب تراجع أسعار النفط، حيث قدرت الإيرادات المتوقعة بنحو 13 مليار دينار، أي 44 مليار دولار تقريباً، في الوقت الذي تبلغ فيه نفقات الدولة المتوقعة 20 مليار دينار، أي أكثر من 60 مليار دولار، والفرق بينهما يمثل العجز المالي المطلوب تغطيته بالاقتراض أو تسييل الاستثمارات.
إن المفاضلة بين الاقتراحين تشبه قصة ذلك الرجل الذي طلبت منه زوجته أن يشتري لها معطفاً فرواً غالي الثمن. وحيث إنه لم يكن يمتلك أي سيولة حينها لدفع ثمن المعطف الباهظ الثمن، فقد لجأ إلى عدد من أصدقائه الاقتصاديين لإفادته بما يجب عليه القيام به، بيع بعض أسهمه، وشراء المعطف أو رهنها (الأسهم) والاقتراض من البنك، وعندما تفاوتت آراؤهم وضاع في «الطوشة» شكا حاله إلى صاحب المقهى، الذي يرتاده عادة، عندما سأله صاحب المقهى عن سبب ما يبدو على وجهه من همّ، فشكا له قصته وحيرته بين الخيارين، فقال له الرجل: يا أخي، بلاش تشتري المعطف!
ونحن لو توقّفنا، لبضع سنوات فقط عن شراء معاطف الفرو المهلكة بأثمانها، لتعدلت أمورنا المالية بصورة تلقائية!
أحمد الصراف
* * *
دار جدل بين مختلف الخبراء الماليين على الأسلوب الأفضل لتمويل عجز موازنة الدولة للسنوات المقبلة: هل يكون بالاقتراض من المصارف، أو تسييل بعض استثمارات الدولة واستخدام العائد لسد العجز أو سد شهية الحكومة للسيولة، التي تبلغ 25 مليار دينار، أو 75 مليار دولار، وهو مبلغ كبير جدّاً، وبأي مقياس كان، لدولة بمثل حجمنا؟
كانت حجج البنك المركزي، في المفاضلة بين الخيارين، الأكثر إقناعاً للكثيرين، حيث رجّح البنك أفضلية الاقتراض على فكرة تسييل الاستثمارات، لأن تكلفة الاقتراض أقل بكثير من دخلنا الناتج من الاستثمارات، ولم يعجب هذا الرأي مخالفي الاقتراض!
وفي تصريح أدلى به وزير النفط الكويتي السابق عصام المرزوق لـ القبس، 26 مارس 2017، ذكر أن سعر البرميل في الميزانية تم اعتماده بـ45 دولاراً، في حين سعر التعادل الذي اعتمدته الحكومة هو 70 دولاراً للبرميل. وكان سعر التعادل قبل سنوات قليلة يبلغ 25 دولاراً، ثم ارتفع إلى 50 دولاراً، ليعود ويرتفع حالياً إلى 70 دولاراً، أي إن على الدولة بيع برميل النفط بهذا السعر لتمكنها مواجهة ما تم اعتماده من مصروفات، دع عنك تحقيق أي وفر، وهذا ليس ممكناً في ظل أسعار النفط الحالية. وبالتالي، يمثل الفرق بين سعر التعادل والسعر السائد العجز في موازنة الدولة، والمرشح للارتفاع مع كل هذا البذخ غير المعقول في الصرف، علماً بأن موازنة 2017 ــــ 2018 احتوت على عجز مالي ضخم، للعام الثالث على التوالي، بسبب تراجع أسعار النفط، حيث قدرت الإيرادات المتوقعة بنحو 13 مليار دينار، أي 44 مليار دولار تقريباً، في الوقت الذي تبلغ فيه نفقات الدولة المتوقعة 20 مليار دينار، أي أكثر من 60 مليار دولار، والفرق بينهما يمثل العجز المالي المطلوب تغطيته بالاقتراض أو تسييل الاستثمارات.
إن المفاضلة بين الاقتراحين تشبه قصة ذلك الرجل الذي طلبت منه زوجته أن يشتري لها معطفاً فرواً غالي الثمن. وحيث إنه لم يكن يمتلك أي سيولة حينها لدفع ثمن المعطف الباهظ الثمن، فقد لجأ إلى عدد من أصدقائه الاقتصاديين لإفادته بما يجب عليه القيام به، بيع بعض أسهمه، وشراء المعطف أو رهنها (الأسهم) والاقتراض من البنك، وعندما تفاوتت آراؤهم وضاع في «الطوشة» شكا حاله إلى صاحب المقهى، الذي يرتاده عادة، عندما سأله صاحب المقهى عن سبب ما يبدو على وجهه من همّ، فشكا له قصته وحيرته بين الخيارين، فقال له الرجل: يا أخي، بلاش تشتري المعطف!
ونحن لو توقّفنا، لبضع سنوات فقط عن شراء معاطف الفرو المهلكة بأثمانها، لتعدلت أمورنا المالية بصورة تلقائية!
أحمد الصراف