العنجهية الكويتية
تاريخياً، يعتبر اليابانيون أكثر شعوب العالم المهمة اعتداداً بالنفس، وثقة بأفضليتهم على غيرهم، في كل شيء تقريباً. ولولا هزيمتهم الموجعة في الحرب العالمية الثانية، بعد تلقي قنبلتين نوويتين، وما فرضه عليهم الجنرال الأميركي ماك آرثر من شروط استسلام مهينة، لبقوا على سابق عنجهيتهم وغطرستهم، وهم الذين لم يسبق أن خسروا حرباً قبلها.
اليابان، في عز قوتها، وما تمثله من قوة اقتصادية، هي الثالثة في العالم، بعد أميركا والصين، وبكل ما يمثله الاعتزاز بالنفس من عمق في الضمير الياباني، إلا أنها لم تتردد في الاستعانة بمواهب وقدرات أصحاب خبرات أجانب، وكان آخرهم الصناعي الفرنسي اللبناني كارلوس غصن، الذي تكفل بمهمة فشل غيره فيها، وهي انتشال واحدة من أكبر شركات صناعة السيارات لديها من الإفلاس، وجعلها شركة رائدة. فمن نكون (في الكويت) لكي نختلف عن العالم أجمع، ونعتقد بأننا أفضل من غيرنا، واليابانيون مثالاً، بحيث اشترطنا على من يود تولي إدارة واحدة من أكبر مؤسساتنا تقنية، والتي تسبب وضعها في خسارة المال العام لعشرات مليارات الدولارات، أن يكون «كويتياً»؟
جميل أن نعتز بوطننا ومواطنينا، وأن نخصص الوظائف لهم، ونعطيهم الأولوية، ولكن هذا لا يعني أنهم أفضل من غيرهم في كل شيء. فالمواطن ليس الأفضل مثلاً في مجالات التنظيف، ولا الأكثر دراية وخبرة في إدارة المصارف والصناعة النفطية وغيرها. وبالتالي، لم نتردد في الاستعانة بهذه الوظائف، وعشرات الآلاف غيرها، من خارج الكويت، مدفوعين بعوامل أبعد ما تكون عن العاطفة، الخادعة غالباً.
نكتب بمناسبة قيام مؤسسة الخطوط الكويتية، وفي سابقة، أود أن أشعر بأنها جميلة، بنشر إعلان تطلب فيه ممن يتوسمون في أنفسهم الكفاءة، التقدم لوظيفة «رئيس تنفيذي» ceo، وهو أرفع منصب تشغيلي في الشركة. وورد في الإعلان أن من بين الشروط الواجب توافرها في المرشح أن يكون «كويتياً»، ولا أعرف سبباً لهذه العنجهية.
فشركة خطوطنا، التي تحمل علمنا الوطني، عانت الأمرين على يد الحكومة، التي أهملتها على مدى ثلاثة عقود، وتسبب ذلك الإهمال في خسائر مليارية، وفي مشاكل مالية وعمالية وفنية عميقة، يعرف مجلس إدارتها الحالي، الذي نكن لأعضائه كل احترام، أنه ربما من المجدي فتح المجال للكويتي ولغيره للترشح لوظائف الشركة العليا، ولو لفترة محددة. فهناك في السوق العالمية خبرات عالمية مؤهلة بالفعل في إدارة وانتشال شركات الطيران المتعثرة، وإعادتها إلى الربحية. ونحن إن فعلنا ذلك، فلا نكون قد أخللنا بحقوق الكويتي، فنحن لسنا أفضل من غيرنا من دول وشركات المنطقة، والإماراتية مثالاً، التي قامت بتسليم الكثير من شركاتها لمثل هؤلاء من دون أن يلحق بها العار. وما يسري على الكويتية يسري على كل مؤسساتنا الأخرى.
إن وضع الشركة خطير، ويحتاج إلى جهود جبارة، ولا أعتقد بأن الحلول الترقيعية الأخيرة ستعجل في انتشالها من كبواتها، ونتمنى أن نكون على خطأ، فالجميع يتمنى لناقلنا الوطني أن يعود إلى سابق تألقه وازدهاره.
أحمد الصراف