الظلام الظالم
بعد مرور خمس أو ست سنوات من عملي في البنك، قررت الإدارة الإنكليزية أن الوقت قد حان لأن أدير أحد فروع البنك، ووقع الاختيار على فرع شارع فهد السالم، الأكبر والأهم حينها، وكان التحدي مخيفاً في حينه.
بعد أسبوع تقريباً وردني طرد كبير الحجم، مؤشر عليه بالأحمر «خاص وسري»، وجدت بداخله نماذج تقييم أداء الموظفين، التي يتعين تعبئتها، لكي تقوم الإدارة على أساسها بتحديد زيادات الرواتب والترقيات السنوية، وحيث إنني كنت جديدا على الفرع، فقد طلبت من الإدارة العليا إمهالي بعض الوقت ليتاح لي تكوين فكرة عن كل موظف.
أعدت قراءة محتويات تقرير الأداء، وأزعجتني فكرة أنني كنت طوال فترة عملي أجهل ما كانت تريده الإدارة مني، وبالتالي يجب ألا أترك موظفي الفرع في نفس جو الظلام أو الجهل الذي كنت فيه، فجمعتهم وقلت لهم إنني سأعطي كل منهم نسخة من تقرير الأداء السنوي، ليعرفوا «حقيقة» ما تطلبه الإدارة منهم، وستكون هناك مهلة شهر، قبل أن أقوم بتعبئة النماذج وإعادتها للإدارة.
انتشر خبر قيامي بتوزيع التقرير على موظفي الفرع، واتصلت بي الإدارة مؤنبة، لإفشاء أحد أسرار «شؤون الموظفين»، ولكني دافعت عن موقفي، ولم تجد الإدارة بدا من الاقتناع بما ذكرت.
لا شك أن متطلبات أي إدارة أو جهة تختلف من وظيفة الى أخرى، وليس هناك نموذج تقييم موحد يمكن اعتماده. ففي البنك مثلا كان مهماً أن يكون الموظف أنيقاً في ملبسه، وحسناً في سلوكه مع زملائه، وجيداً في تعامله مع العملاء، مجداً في عمله، ودقيقاً في أدائه. ولكن مثل هذه الأمور قد لا تكون جميعها مطلوبة في وظائف أو أعمال أخرى، كالصيدلي في المختبر، أو المهندس في الموقع، أو الطبيب في العيادة، ولكن الجميع يشتركون في عامل تقييم واحد يتعلق بمدى حاجة كل منهم لمراقبة ومتابعة من رئيسه. فكلما قلّت متطلبات الرقابة كانت كفاءة الموظف أعلى، وبالتالي أكثر استحقاقاً للثناء المادي والمعنوي.
ولو نظرنا الى موظفي جهات كثيرة، ومنها الحكومية بالطبع، لوجدنا أن قلة منهم يعلمون الكيفية التي يتم بها تقييم أدائهم، وما هو مطلوب منهم القيام به لينالوا رضى رؤسائهم، ولا نتكلم هنا عن التملق له، أو الاستعانة بالواسطة.
إن هذا التثقيف الوظيفي لا يمكن تركه لكل جهة لتقوم به، فهو من واجب ديوان الخدمة المدنية، الذي عليه تصميم تقارير تقييم أداء مفصلة لكل جهة، تتناسب وطبيعة العمل، وان يتم التذكير بضرورة اطلاع الموظفين عليها، وعلى أسس تقييمهم، وعدم تركهم في الظلام.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top