استمرار الفضيحة

«.. إن كنت تعتقد أن التعليم مكلف جدّاً في الكويت، فعليك أن تجرّب الجهل، وستجد أن التكلفة ستصبح أعلى بكثير..!».
* * *
أفتح الصحف كل يوم ممنيا النفس بقراءة تصريح لوكيل وزارة التعليم العالي عن «إحياء» لجنة فحص الشهادات الدراسية المزوّرة، في القطاع التربوي، على الأقل. وعندما لا أجد شيئا ابحث عن تصريح لوزير التربية، وزير التعليم العالي يتعلق بالكشف، ولو عن حالة تزوير واحدة، لشهادة مدرس أو «أستاذ جامعي». وعندما لا أجد شيئا أمنّي النفس بموقف حازم لرابطة أساتذة الجامعة من قضية الشهادات المزورة، فالسكوت قد يعني إما تواطؤهم لتورط البعض منهم، وإما تعاطفهم مع هؤلاء وعدم رغبتهم في كشف تزويرهم، حفاظا على ما تبقى لجامعة الكويت من سمعه، وإما ربما لأن لديهم «تعليمات» بعدم التطرق الى موضوع التلاعب في الشهادات الجامعية والدكتوراه مع وسائل الإعلام، أملا في موت الفضيحة مع الوقت، عندما يتم تجاهلها كليا!
كما يبدو واضحا أن حكومتنا العميقة في تكنوقراطيتها، والبالغة في رشدها، لا تود فتح ملف الشهادات المزوّرة، لكي لا تخرب بيوت بضعة آلاف من المزوّرين، ولا بأس لديها أن تسبّب موقفها السلبي في تخريب عقول عشرات آلاف الطلبة من تلامذة هؤلاء المزوّرين!
ويبدو أيضا أن ليس أمامنا إلا اللجوء الى القضاء لحل هذه المشكلة، خاصة بعد أن رفع من معنوياتنا الحكم الذي صدر عن محكمة التمييز، والذي تم بموجبه رفض الاعتراف بشهادات جامعات بريطانية تحتسب سنوات الخبرة العملية ضمن سنوات الدراسة أو المراحل الدراسية. وبررت المحكمة العليا رفضها لأن أنظمة التعليم في الكويت لا تعترف اصلا بمثل هذا النظام الدراسي، لمخالفته قرارات صادرة عن التعليم العالي، علما بأن حكم التمييز، النهائي هذا، ألغى حكما سابقا كان يسمح باعتماد شهادات مثل هذه الجامعات.
نتمنّى على وزير التربية وزير التعليم العالي الجديد، والذي كان يوما وكيلا للوزارة نفسها وجزءا من عملية الكشف عن حاملي الشهادات المزوّرة، وضع حد لهذه الفضيحة، واستصدار قرار واضح من مجلس الوزراء «يسمح له» بالسير قدما في كشف هؤلاء المزوّرين المعروفين بالاسم والجهة التي يعملون بها، ومنحهم خيار الاستقالة أو الإحالة للنيابة، وقفل هذا الملف الذي يمثل فضيحة أخلاقية وإنسانية وتربوية لا يجب استمرار السكوت عنها. وبخلاف ذلك فإنني سأسعى، بصفتي «مواطنا متضررا» من الوضع، لرفع قضية على الوزارة وعلى حاملي الشهادات المزوّرة، لإلزامهم بكشف المزورين، ومحاسبتهم.
إن مشكلة تزوير الشهادات الدراسية أصبحت شائعة وفي ازدياد، وطالت مختلف التخصّصات، ووصل التزوير لمختلف الوزارات، والجامعات الخاصة، ومعروف أن عصابات كبيرة تدير عمليات التزوير هذه من دول أوروبية ومن الباكستان والهند، ولو لم يكن عليها طلب كبير، لما استمرت هذه الجهات في عملها الخطير الذي يعاقب عليه القانون.
إن هذه العملية جريمة بحق الوطن ولا يجب بأي حال من الأحوال السكوت عنها، ونكرر قولنا إن من يعتقد أن التعليم مكلف، فإن عليه تجربة الجهل، وسيجده مكلف أكثر، فمن يتخرّج من تحت أيدي هؤلاء المزوّرين فهو والجهلاء واحد.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top