الملكة إليزابيث الهاشمية
يبدو أنه مكتوب علينا التخلف إلى الأبد، فنحن أعجز من أن نحكِّم العقل ونشغله في ما يعترضنا من تعقيدات العصر الحديث، فكلما واجهتنا معضلة لجأنا إلى كتب السلف نستنجد بها، حتى لو كانت بلا قيمة علمية، وآخر محاولات الاستنجاد تلك ما صرح به مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة، في مقابلة مع الفضائية المصرية cbc مباشر، من أن جد ملكة بريطانيا الحالية إليزابيث كان هاشميًا، وأن كتبًا ومؤلفات موثقة تثبت ذلك، وأن أوروبا، التي لم تكن تتسامح بوجود المسلمين، ولم يكن فيها شخص واحد يوحد الله (!!) وأنها قبضت على هاشميّ، وأرغمته، تحت القهر، على ترك دينه. وأن هذا الرجل الهاشميّ هو جد الملكة البريطانية إليزابيث، الذي ترك الإسلام مكرهاً.
وفي تصريح آخر للمفتي نفسه، قال في وقت سابق إن «أرواح الموتى مكَّنها الله من رؤية مكان دفن الجثة ما بين عصر الخميس وفجر يوم السبت»، وإن الأرواح تكشف مكان دفن الجثة عن طريق حاجة تشبه الستالايت أو غوغل إيرث! وهذا بالضبط ما قصدناه بقولنا في بداية المقال من أننا عندما نشعر بالعجز والهوان من حاضرنا، أو من اختراع ما، أو فهم نظرية، فإننا عادة ما نلجأ إلى الماضي ليخبرنا «غوغلنا» الإسلامي بالجواب.
لم يكن غريبًا صدور مثل هذه الشهادات عن رجل دين، لكن الغرابة كانت في كل ذلك الكم الذي صدَّق رواية المفتي، وصار يروج لها، ربما لخلو حياتنا مما يستحق الفخر به.
للعلم، تنتمي الملكة اليزابيث إلى أسرة وندسور، واسم الأسرة الأصلي هو ساكس-كوبرغ-غوتا (saxe-coburg-gotha) ، التي يعود أصلها إلى ألمانيا، وتنحدر من إحدى أكبر العائلات الجرمانية النبيلة، الفيتين، التي حكم أحد فروعها سكسونيا.
وعندما تزوجت الملكة فكتوريا قريبها الأمير ألبرت ساكس-كوبرغ-غوتا، أثمر زواجهما تسعة أبناء حملوا وأحفادهم جميعًا لقب ساكس-كوبرغ-غوتا، وكان إدوارد السابع، الذي اعتلى العرش سنة 1901 م أول حكام الأسرة، بعد فكتوريا. لكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى اضطرت الأسرة المالكة في بريطانيا، التي كانت في حرب مع ألمانيا، إلى التخلي عن لقبها الألماني والتسمي بوندسور، ويلفظ ونزور، وهو في الحقيقة اسم قصر كانوا يقيمون فيه، ولا يزالون.
ما لا يعرفه سيدنا المفتي أن بريطانيا كانت ولا تزال مهووسة بتسجيل كل شيء. فكتاب «دومزداي domeday الإحصائي يعود إلىما قبل ألف عام تقريبًا. كما أن بريطانيا بدأت قبل 300 عام بتدوين درجات الحرارة، هذا غير احتفاظها بآلاف المراجع التاريخية التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة الشيء الكثير عن تاريخ العالم، وبالأخص تاريخ منطقتنا، الذي فشلنا، بشكل مخجل، في تدوينه. كما أن الكنائس البريطانية، وغالبية الكنائس المسيحية، تحتفظ بسجلات تعود إلى وفيات ومواليد وزواج كل أسرة تقريبًا، فما بالك بالأسر المالكة في أوروبا، وبالتالي فإن من المضحك حقًا محاولة مقارنة المراجع والسجلات البريطانية والأوروبية بمراجعنا، إن وجدت.
إن انتماء الملكة إلى الهاشميين أمر لا يعني الكثير، حقًا، فلا هي ستعترف بالأمر، ولا نحن قادرون، بما لدينا من مراجع قليلة ومتهالكة، إثبات صحة نسبها. علما بأن الادعاء إلى ذلك النسب ليس بتلك الصعوبة، فقد أخبرني صديق أنه حصل من سفير دولة عربية مرموقة على «شهادة رسمية» تثبت نسبه وأسرته للعترة الهاشمية، وعليكم الباقي!
أحمد الصراف