أعداء العقيدة الحقيقيون
لدي قناعة بأن ألدّ أعداء الإسلام ليسوا الليبراليين وشركاءهم العلمانيين، ولا الملحدين، وأتباعهم الملاعين، فلم تكن لهؤلاء مشكلة يوماً مع أي عقيدة أصلاً، فأعداء الإسلام في هذا العصر هم دعاته، والسياسيون منهم بالذات. فكم الإساءة التي لحقت بالعقيدة من أفعال عشرات المنظمات المشابهة لــ «داعش» طوال التاريخ لا يمكن تصوره. كما أن الطريقة الغارقة في الضحالة والغباء التي حكم بها «الإخوان المسلمون» مصر، في تلك المرحلة القصيرة السوداء من تاريخها، وما فعلوه في دول أخرى، بيّنت مدى ما يمكن أن يلحق بالعقيدة من ضرر بسبب حمق تصرّفاتهم وإصرارهم على الاستعانة بأفكار لا تصلح للتطبيق في هذا العصر، وضررها أكبر من نفعها.
إن إصرار أغلبية الزعامات الدينية على اعتبار أفكارهم الدينية جامدة، ولا تقبل نصوصهم غير تفسيراتهم المتحجرة، أمر خطير، ويحوّل المؤمنين لمشاريع إرهابية مستقبلية لا تختلف عما عرفه العالم من حركات إيديولوجية متطرفة؛ كالنازية والفاشية، وما نادى به بعض الخرقاء من سمو جنس أو عرق على غيره من الأجناس الأخرى.
ولو قدر للإسلام السياسي الحكم في مصر أو غيرها، لما تردد قادته في التمييز بين فئات الشعب على أساس ديني، مع إضفاء القداسة على أفعالهم غير الإنسانية، مع تبشير أتباعهم بالجنة إن قاتلوا معهم، وهذا ما تعنيه الفاشية الدينية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين السابق في مصر إنه «يفضّل ماليزياً مسلماً رئيساً لمصر على القبطي المسيحي المصري». كما طالب زعيم آخر للإخوان وهو مصطفى مشهور بأنه «يجب إخراج الأقباط من الجيش المصري، وأن يدفعوا الجزية للدولة، وهم صاغرون»، علماً بأن الأقباط هم سكان مصر الأصليون وبناة حضارتها العريقة. والأدهى والأنكى من ذلك أن التمييز في الإسلام السياسي لا يتوقف ضد الأديان الأخرى فحسب، بل ويتعداها إلى التمييز بين المذاهب داخل الدين نفسه وبالقوة ذاتها. ولتحقيق هذه السياسة الفاشية، يعمل الإسلام السياسي على تحويل أتباعه إلى مفخخات وعبوات بشرية ناسفة لقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء بسبب التمييز الديني والمذهبي، بهدف خلق سيكولوجية الرعب. وقد نجحوا في ربط اسم الإسلام بالرعب والإرهاب، وهم يعتمدون في إرهابهم على فهمهم لنصوص دينية محددة. وبالتالي، نجد أن كل المؤسسات الدينية «العريقة» تتردد كثيراً في «تكفير» عمليات القتل الإرهابية، وتفجير ممتلكات المسلمين وغيرهم، وقاتلي الأطفال وحارقي الزرع والشجر، والتسبّب في أكبر قدر من الضحايا، والسبب أن من قاموا بتلك العمليات مسلمون، وسبق أن شهدوا الشهادتين، وبالتالي لا يجوز إخراجهم من الملة، على الرغم من أن ما فعلوه تسبب في كسر ظهر الملة، وتسبب في قتل عشرات الآلاف، وخسائر بالمليارات، فالموصل وحدها بحاجة إلى أربعين مليار دولار لإصلاح ما خربه مجرمو داعش، هذا غير خراب سوريا وأفغانستان ومدن العراق الأخرى، وعشرات الدول والمدن العربية والإسلامية والغربية الأخرى، وبدعم معنوي ومادي منا قبل غيرنا، ففتاوى التكفير والقتل صدرت من غلاة رجال الدين، والتي ساهمت في استفحال التطرف. ومن هنا تأتي دعوتنا إلى فصل الدين عن الدولة، لكي لا يكون لرجل الدين، أي رجل دين، دوره المهيمن الحالي.
أحمد الصراف