أأنا شيطان أخرس؟
لم أستغرب اتصال عدد من أصحاب القرار للفت نظري الى مشروع القانون، الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس الأمة، والذي تعلق موضوعه بتنظيم العمل الخيري وتضمينه عقوبة السجن والغرامة للمشككين بعملها.
لم يتم ذلك لكوني مشرعاً، أو فاعلاً في وقف مشروع القانون، بل لأنني كنت من أكثر المشككين والناقدين، تصريحاً وتلميحاً، وكتابة، عن مخالفات وتجاوزات الجمعيات الخيرية، وفضح سوء ممارسات البعض منها على مدى ربع قرن، وبالتالي بدا وكأن مشروع القانون مفصل للنيل مني ومن غيري من الزملاء، الذين رفضوا السكوت عن ممارسات هذه الجهات، التي يصح وصفها بمغارات «علي بابا»!
غريب جداً، في زمن الشفافية والحوكمة ودولة القانون والحريات المدنية، والانفتاح على العالم وبذل الجهود تطوير شخصية الإنسان الكويتي، أن يتقدم فرد ما في الحكومة بمشروع قانون يطالب المواطن بالتبرع للجمعيات الخيرية، وأن يكتفي بذلك، ويأكل تبناً حتى ولو رأى منها ما يسوء، لكي لا يتعرض للسجن أو الغرامة المالية العالية، أو كلا العقوبتين، وكأن للجمعيات الخيرية ذاتاً، يحرم على أي كان الاقتراب منها.
لا شك لدى أي عاقل أن العمل الخيري بحاجة إلى قانون ينظمه، ومشروع هذا القانون هو الرد الأكثر بلاغة على سوء أحوالها وأوضاعها حالياً، وصحة سابق مواقفنا منها، فلو كانت أوضاعها طبيعية لما تطلب الأمر صدور مثل هذا القانون وتقديمه إلى المجلس بتلك الصورة المستعجلة.
لا نختلف مع من صاغ بنود مشروع القانون في الكثير من مواده، لكن من غير المنطقي ولا المنصف إغلاق الباب تماماً على أي انتقاد لبعض هذه الجمعيات، التي لا تختلف في شيء عن أي جمعية نفع عام، بل هي بحاجة أكثر إلى المراقبة والنقد من غيرها، لأنها الأكثر سرية في أعمالها، والأكثر حذراً في ما يتعلق بطرق صرفها، والأكثر قدرة على جمع الأموال، والأكثر مخالفة لتعليمات وزارة الشؤون، وبالتالي هذا القانون مفصل على قياسها، ويضيف هالة من شبه القداسة على أعمالها، ولا أعتقد أن هذه الجمعيات أهم المصارف، التي تحتفظ بأموال مئات آلاف العملاء والمودعين والمساهمين، والتي قد يتأثر وضعها وتنهار إن سرت إشاعة تتعلق بنقص سيولتها، ومع هذا لم يفصل لها مثل هذا القانون، الذي يمنع انتقادها، أو يشكك بأعمالها، وإن حدث ذلك فالقوانين الموجودة كفيلة بمعالجة أي خلل أو تعدٍّ على سمعتها، فقانون العقوبات الحالي يفيض علينا بمواده وعلى العمل الخيري برمته أكثر مما نحتاج، ولا يحتاج إضافة بنود جديدة عليه، فقد انتقدنا في السابق تصرفات الكثير من القائمين على الجمعيات الخيرية، ولم يمنعها أي طرف من رفع القضايا علينا، لكنها صمتت لأن الحق لم يكن معها، وكانت آخر تلك الانتقادات ما وجهناه إلى جمعية تساعد المرضى، حصلت على عشرات المواقع التجارية داخل وخارج مباني المستشفيات، وحولتها لمصدر دخل كبير لها، لكنها سلمت إدارتها وجل أرباحها إلى شخصيات متنفذة اعترفت علناً بذلك، فهل كشف مثل هذه المخالفات يعتبر تشكيكاً في العمل الخيري نستحق السجن عليه؟! وماذا عن الحديث القائل: الساكت عن الحق شيطان أخرس، فهل تريدنا الحكومة، والمشرع بالتالي، أن نكون شياطين خرساً؟!
أحمد الصراف
لم يتم ذلك لكوني مشرعاً، أو فاعلاً في وقف مشروع القانون، بل لأنني كنت من أكثر المشككين والناقدين، تصريحاً وتلميحاً، وكتابة، عن مخالفات وتجاوزات الجمعيات الخيرية، وفضح سوء ممارسات البعض منها على مدى ربع قرن، وبالتالي بدا وكأن مشروع القانون مفصل للنيل مني ومن غيري من الزملاء، الذين رفضوا السكوت عن ممارسات هذه الجهات، التي يصح وصفها بمغارات «علي بابا»!
غريب جداً، في زمن الشفافية والحوكمة ودولة القانون والحريات المدنية، والانفتاح على العالم وبذل الجهود تطوير شخصية الإنسان الكويتي، أن يتقدم فرد ما في الحكومة بمشروع قانون يطالب المواطن بالتبرع للجمعيات الخيرية، وأن يكتفي بذلك، ويأكل تبناً حتى ولو رأى منها ما يسوء، لكي لا يتعرض للسجن أو الغرامة المالية العالية، أو كلا العقوبتين، وكأن للجمعيات الخيرية ذاتاً، يحرم على أي كان الاقتراب منها.
لا شك لدى أي عاقل أن العمل الخيري بحاجة إلى قانون ينظمه، ومشروع هذا القانون هو الرد الأكثر بلاغة على سوء أحوالها وأوضاعها حالياً، وصحة سابق مواقفنا منها، فلو كانت أوضاعها طبيعية لما تطلب الأمر صدور مثل هذا القانون وتقديمه إلى المجلس بتلك الصورة المستعجلة.
لا نختلف مع من صاغ بنود مشروع القانون في الكثير من مواده، لكن من غير المنطقي ولا المنصف إغلاق الباب تماماً على أي انتقاد لبعض هذه الجمعيات، التي لا تختلف في شيء عن أي جمعية نفع عام، بل هي بحاجة أكثر إلى المراقبة والنقد من غيرها، لأنها الأكثر سرية في أعمالها، والأكثر حذراً في ما يتعلق بطرق صرفها، والأكثر قدرة على جمع الأموال، والأكثر مخالفة لتعليمات وزارة الشؤون، وبالتالي هذا القانون مفصل على قياسها، ويضيف هالة من شبه القداسة على أعمالها، ولا أعتقد أن هذه الجمعيات أهم المصارف، التي تحتفظ بأموال مئات آلاف العملاء والمودعين والمساهمين، والتي قد يتأثر وضعها وتنهار إن سرت إشاعة تتعلق بنقص سيولتها، ومع هذا لم يفصل لها مثل هذا القانون، الذي يمنع انتقادها، أو يشكك بأعمالها، وإن حدث ذلك فالقوانين الموجودة كفيلة بمعالجة أي خلل أو تعدٍّ على سمعتها، فقانون العقوبات الحالي يفيض علينا بمواده وعلى العمل الخيري برمته أكثر مما نحتاج، ولا يحتاج إضافة بنود جديدة عليه، فقد انتقدنا في السابق تصرفات الكثير من القائمين على الجمعيات الخيرية، ولم يمنعها أي طرف من رفع القضايا علينا، لكنها صمتت لأن الحق لم يكن معها، وكانت آخر تلك الانتقادات ما وجهناه إلى جمعية تساعد المرضى، حصلت على عشرات المواقع التجارية داخل وخارج مباني المستشفيات، وحولتها لمصدر دخل كبير لها، لكنها سلمت إدارتها وجل أرباحها إلى شخصيات متنفذة اعترفت علناً بذلك، فهل كشف مثل هذه المخالفات يعتبر تشكيكاً في العمل الخيري نستحق السجن عليه؟! وماذا عن الحديث القائل: الساكت عن الحق شيطان أخرس، فهل تريدنا الحكومة، والمشرع بالتالي، أن نكون شياطين خرساً؟!
أحمد الصراف