العقل والمنطق في الضريبة على الوافد
أقرت اللجنة المالية في مجلس الأمة تقريرها المتعلق بفرض ضريبة على تحويلات الوافدين ووافقت على مقترح القانون. وجاءت هذه الموافقة بغير دراسة جادة، فكل المؤشرات كانت تقول بعدم صوابية القرار فاللجنة التشريعية البرلمانية مثلا، والأكثر عقلانية وخبرة، رفضت بالإجماع مشروع القانون لأسباب دستورية، واتفقت الحكومة، ممثلة ببنك الكويت المركزي، مع رأي اللجنة التشريعية. كما أكد السيد علي الموسى، رئيس البنك التجاري بأن قرار فرض الضرائب خطوة غير اقتصادية ويحمل «ندية وضدية» لقوانين الضريبة الأصلية، التي تستحق التأمل والقراءة من المشرعين قبل أن تختص شريحة منتقاة من السكان بضريبة وتترك الباقي. ولا أعتقد أن موقف البنوك التجارية سيختلف عن هذا الرأي، ومع كل هذا تجاوز أعضاء اللجنة المالية المنطق وكل الموانع الدستورية والفنية، وانحازوا إلى الجانب الانتخابي المؤيد للتضييق على الوافدين. وهذا بحد ذاته يكشف هزال المشروع، وسيكون مصيره، إن أقر، كمصير المشاريع التي ما ان أقرت حتى تبين عدم دستوريتها، أو قابليتها للتطبيق.
يفيد نص المادة 24 من الدستور على أن العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة، وبالتالي لا يجوز فرضها على الوافد واعفاء المواطن منها. وورد في الصحف أن البنك المركزي حدد خمس سلبيات للضريبة المقترحة تتمثل في خطرها على السمعة المالية للدولة، وإضعاف الاستقرار المالي في البلاد، كما أن هذه الضريبة ستؤثر على جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتخلق سوقاً سوداء، وسيسبقها طبعا هروب رؤوس أموال ضخمة للخارج. كما ستخرب الذمم بلجوء المقيم للمواطن ليقوم بإجراء التحويل نيابة عنه مقابل حصوله على نسبة من الضريبة، وما سيكون لهذا التلاعب من آثار أخلاقية سلبية وقضايا مالية في المحاكم.
ينص مشروع القرار على فرض نسبة 2 في المئة على التحويلات لأقل من 100 دينار، وستكون تكلفة استيفاء هذا المبلغ أكثر من قيمته بكثير. واستيفاء نسبة 5 في المئة على مبالغ التحويلات التي تزيد على 500 دينار وهذا يعتبر في حكم الكارثة للكثيرين وتضييقا على الوافد سيدفع المواطن والمال العام ثمنه تاليا بطريقة غير مباشرة. فنحن جميعا مع تعديل التركيبة السكانية وتوطين الوظائف والإسراع في الإحلال، ولكن ما هكذا تورد الإبل. فكيف تضايق الطبيب الاستشاري الماهر وتفرض ضريبة تبلغ 5 في المئة على تحويلاته وتتوقع منه أن يعطيك خبراته بكل أمانة، وأنت عاجز في الوقت نفسه عن توظيف كويتي مكانه، بسبب النقص الذي نعانيه في كثير من المجالات؟! وما يسري على الاستشاري يسري على مليون وافد آخر، ولن يكون مستبعدا في مرحلة تالية قيام المجلس بمطالبة الحكومة بإنشاء هيئة مستقلة للقيام بتحصيل هذه المبالغ من الوافدين.
إن الحكومة والمجلس مطالبان بعدم الانسياق وراء القرارات الشعبوية والانجراف وراء غوغاء المطالبات بالتضييق على الوافد ليترك الغالبية الصالحة الكويت والساحة للدجالين والمحتالين الذي يعرفون كيف يستردون ما أخذته الحكومة منهم.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top