في بلاد العميان (2 ــ 3)
تقول القاعدة الفقهية الإسلامية إن الأصل في الأشياء الإباحة، وليس التحريم، ولكننا عكسناها، وجعلنا كل شيء تقريبا محرما!
فالتعليم للإناث محرم، وكان قبلها محرم على الذكور، واقتناء الكتب غير الدينية محرم، وقراءة المجلات حرام، وطعام غير المسلمين حرام، ومعاشرتهم والاختلاط بهم حرام، والسفر الى بلدانهم حرام، وشرب مياه بيوتهم حرام، ولبس ملابسهم حرام. كما شمل التحريم ركوب السيارة واستخدام التلفون والأجهزة الكهربائية، وارتداء الملابس الغربية. وكل الملابس حرام، عدا ما نلبس من عباءة ولباس فضفاض، وحتى غطاء الرأس الأبيض كان لفترة محرما. كما كانت الدراجة الهوائية محرمة والسفر بالطائرة حراماً، واستخدام غرفة العناية المركزية في المستشفيات، ربما حتى الآن، حراماً. كما ان كرة القدم حرام، وارتداء ما يماثل ملابسها حرام، وعباءة الكتف النسائية، والعمل في حلاقة الشعر حرام، ومايكروفونات المساجد والتصفيق في المناظرات والحفلات، وتناول الأكل بغير اليد، والسينما، والتصوير الفوتوغرافي الشخصي، ورسم كل ما فيه روح حرام في حرام. كما حرم فقهاء الزمن القديم استخدام أو اقتناء مكائن الطباعة، وبالتالي تأخّر وصولها الى بيروت 300 سنة، وللكويت 500 سنة من تاريخ اختراعها، ويمكننا تصور ما جرّه هذا الأمر علينا من تخلف تعليمي وثقافي.
لقد عشنا، ولا يزال البعض منا، في عالمنا الخاص، الذي أردناه أن يكون منقطعا عن عالم الغير، وتصرّفنا وكأن لا عيون لنا لنرى ما يمر العالم أجمع به من تطور وتبدل وتغيّر، وكل ذلك التقدّم العلمي الهائل الذي تحقّق في كل مجال، وكأن لا علاقة لنا بأي شيء، وندعو ليل نهار بـ«ألا يغيّر الله علينا». ولكن مع الوقت بدأت قلاع التحريم غير المنطقية بالتهاوى واحدة بعد الأخرى، وأصبحت عيوننا تبصر تدريجياً واحدة بعد الأخرى، بحيث أصبحت حتى الديموقراطية، الغربية بالذات، أمرا مرحبا به من منطلق قاعدة «خذوا من أعدائكم عبرة في انتظام أوضاعهم»!
كما أصبح رجال الدين، الذين كانوا علماء، يطالبون الدول الإسلامية بالاقتداء بالنظم الغربية، والسماح للمرأة بقيادة السيارات، والسماح لغير المسلمين بدخول المدينة المنورة، فهو غير محرم شرعاً.
يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي إن العقل مبرمج على الجهل، وإن الإنسان كائن تلقائي يولد بقابليات فارغة ومفتوحة، وهذه القابليات تتبرمج بما في البيئة من أفكار وتصوّرات وعادات وقيم وغيرها. وإن العقل البشري لا يمكنه التفريق بين الصواب والخطأ والحلال والحرام، وبين الحقيقة والوهم، والمعلومة التي تصل إليه أولا هي التي تمثل الحقيقة، وهذا أسهل له وأكثر راحة، لأنه إن أراد إثبات عكسها فعليه أن يسعى ويدرس ويقرأ ويبحث، وهذه أمور مضنية لا طاقة للغالبية بها. ويقول إنه على الرغم من أن الإنسان يتبرمج من البيئة أو المكان الذي ولد أو نشأ فيه، فإن هذا الحدث الطارئ، الذي لا يد له فيه، يصبح معياره للحكم على الأمور، واعتبارها ممثلة للحقيقة المطلقة.
وبالتالي، يميل الإنسان الى تقبّل الأمور كما هي، جهلا. فهذا أكثر راحة للنفس والعقل، والمجتمع.
وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف