فيلكا.. وهجرة الأعاجم
كان الحراك السياسي والاجتماعي في الكويت نشطا منذ عشرينات القرن الماضي، وأصبح أكثر حيوية في الخمسينات مع وجود نواد أدبية ورياضية سياسية وجمعيات قبل أن يقرر إغلاقها تاليا. من تلك المؤسسات جمعية الإرشاد التي أصبحت جمعية الإصلاح، لسان حال الإخوان، والنادي الثقافي القومي، الذي كان ينادي بالتقدم وله تطلعات عربية قومية. كان النادي يصدر مجلة الإيمان ويحررها أحمد السقاف ود.أحمد الخطيب ويوسف إبراهيم الغائم ويوسف المشاري، قبل أن يلتحق بهم عبدالرزاق البصير وعبدالله يوسف الغانم. كان العدد يباع بـ6 روبيات (هندية) أو ما يعادل 450 فلساً، وهو ثمن مرتفع لنشرة متواضعة لم تكن في بداياتها تحمل حتى تاريخ الصدور، حيث لم يكن معروفا تاريخ وصولها من بيروت، لهذا حمل عددها الرابع تاريخ نيسان 1953، وليس أبريل. وفي ذلك العدد وردت الفقرة التالية تحت عنوان «فيلكا وهجرة الأعاجم»:
«.. يظهر أن خطر هجرة الأعاجم إلى الكويت لن ينتهي بسهولة وان الأساليب التي يلجأ اليها هؤلاء الدخلاء في التسرب إلى داخل البلاد كثيرة ومتعددة ومنها ما سمعنا به أخيرا، وهو أنهم يفدون في سفن صغيرة تنزلهم في جزيرة فيلكا، حيث يقيمون فيها قليلا من الوقت ثم يتسللون بواسطة سفن صيد الأسماك إلى الكويت ويتراكمون في الدكاكين والعنابر أو في منازل بني جلدتهم هنا. فعلى المسؤولين أن ينتهبوا إلى هذا الخطر المحدق بهذا البلد العربي وأن يزيدوا في تدابير خفر السواحل ومكافحة تهريب أعظم خطر يهدد أمن البلاد وصحتها وأخلاقها وكيانها القومي ومستقبلها..!».
نلاحظ من أسماء محرري النشرة أنهم من القوميين المعادين لجماعة الإرشاد الإخوانية ومن المتوجّسين من الخطر الديموغرافي القادم من إيران حينها، ولا أعتقد أن غالبية هؤلاء بقوا على نفس أفكارهم بعدها بعقود، بعد أن شاهدوا حقيقة الأخطار التي كانت محدقة بالأمة وكامل وجودها الأخلاقي وطبيعتها المدنية، ولا تزال.
أستطيع القول ان غالبية من قدموا للكويت في الخمسينات من بر فارس كانوا من غير الشيعة الإيرانيين، وهؤلاء تم احتواؤهم داخل المجتمع بطريقة سلسة، أما البقية، والذين حذرت النشرة من هجرتهم فقد كانوا من الشيعة، ولكنهم كانوا في غالبيتهم من اصحاب المهارات وجاءوا اصلا من مدن ايرانية بعيدة نسبيا عن بر فارس، وعملوا كمعلمي بناء ونجارة وحدادة وغيرها، وهؤلاء عادوا جميعا تقريبا إلى وطنهم، بعد ادخارهم بعض المال، ولا شك في أنهم دخلوا حينها الكويت بطرق غير مشروعة، ومن بقي كان دخوله مشروعا ولم يطالب بجنسية أو بغيرها.
ولو نظرنا اليوم الى التركيبة السكانية لوجدناها غريبة بالفعل. فعدد الكويتيين (الأصليين، مجازا) الذين انتهت لجنة تجنيس رسمية من حصرهم عام 1962 كانوا أقل من 170 ألفا. ولو أخذنا المعدل الأعلى في العالم لتزايد السكان لوجدنا أن عددهم اليوم يجب أن لا يزيد على 700 ألف، ولكن الواقع أن العدد قارب مليون ونصف المليون كويتي، وهذا يعني أن عدد من حصل على الجنسية، لأسباب سياسية وانتخابية، بعد غلق باب التجنيس عام 1962 يفوق عددهم قبلها، وهنا مصدر الخطر الحقيقي سياسيا وثقافيا على كيان الدولة. ومن هنا جاء تحذيرنا من خطورة منح الجنسية، بموجب قانون تجنيس الـ4000، على أسس ومصالح انتخابية أو سياسية.
في المقابل، نذكر بأن المرحوم د. يحيى الحديدي كان أول طبيب يمنح الجنسية الكويتية، وأصبح ابنه صباح طبيبا، وأكمل حفيده عمر المسيرة وأصبح أيضا طبيبا، وأسرة الحديدي هي الوحيدة التي فيها ثلاثة اجيال متعاقبة من الأطباء، مع المحبة والاحترام لهم جميعا.. وهنا الفارق في نوعية التجنيس التي نطالب بها!
أحمد الصراف