اللغة التي حاربها «الإخوان»

تتكلف الدولة سنويا مبالغ ضخمة لتحضير خريجي المدارس الثانوية الحكومية للدخول في الجامعات، وخاصة الأجنبية منها، بسبب ضعف مستواهم في اللغة الإنكليزية، إضافة إلى الوقت الثمين الذي يضيع من حياة هؤلاء الطلاب والطالبات في دراسة لغة سبق ان درسوها على مدى 12 عاما، في الوقت الذي يحتاج فيه طلاب وطالبات المدارس الخاصة وقتا أقل بكثير لدراسة اللغة الإنكليزية قبل دخول الجامعة، فما السبب في ذلك؟
تعتبر الكويت من الدول القليلة في العالم الثالث التي تدرس اللغة الإنكليزية من المرحلة الابتدائية، وهذا ما لم أكن أعرفه حتى فترة قصيرة، وان الفضل في ذلك يعود للمرحوم أحمد الربعي. ولكننا نجد، بعد 25 عاما من تطبيق هذا النظام أن هناك تدنيا واضحا في مستوى خريجي الثانوية في اللغة الإنكليزية، فوق ما كان عليه من سوء أصلا، حيث كنا نلاحظ في أيامنا تلك التفوق الواضح لطلبة «الوطنية الجعفرية»، أول مدرسة تطبّق نظام تعليم الإنكليزية في المراحل الأولى في الكويت، علينا نحن طلبة المدارس الحكومية، وذلك عندما كانوا ينتقلون للدراسة في مدارس الحكومة.
وبسؤال استشارية تربية وصاحبة باع طويل في مجال تعليم اللغة الإنكليزية، ذكرت أن فضل الوزير الربعي ضاع في غمرة الاستعجال في اختيار المنهج من دون أن تسبقه دراسة متأنية، ولم نستفد حينها من تجربة الإمارات في تطبيق هذا النظام، على الرغم من استعانة الكويت بكتب الإمارات التي كانت موضوعة بطريقة جيدة متناسبة مع خصائص نمو المتعلمين، وذات لغة وطريقة سلستين تحقّقان الأهداف المرجوة. وتستطرد الاستشارية في القول إن الوزارة قامت في مرحلة تالية، وأعتقد في عهد يوسف الإبراهيم، بالتعاقد مع شركة مصرية لتأليف كتب اللغة الإنكليزية، بعد وضع المعايير والأسس التي تجب مراعاتها والأهداف العامة والخاصة، وكل ما يخص التأليف بما فيها تدريب المعلمين على التقنيات المصاحبة للكتب، وكانت قيمة العقد سبعة ملايين دولار تقريبا. ولكن في خضم كل ذلك لم تتم مراعاة الخطة الزمنية لتدريس اللغة الانكليزية في الكويت سواء بالنسبة للأيام، وهي تقريبا 120 يوما دراسيا في السنة، أو الوقت المخصص أسبوعيا. فوقت كل حصة هو 40 دقيقة في اليوم فقط، ولكن الكتب جاءت مكدّسة بالمعلومات والمفردات والقواعد اللغوية من دون أي اعتبار لعامل الوقت. وعلى سبيل المثال، كانت هناك أكثر من عشرين مفردة تدرس في حصة زمنية واحدة، ناهيك عن القواعد وغيرها من الأمور. كما لم يراع البرنامج الخصائص النفسية لنمو الأطفال المتعلمين. فالطفل لا يستطيع استيعاب الأزمنة في وقت مبكر، ومثال على ذلك الفرق بين الزمن الماضي والمستقبل والماضي القريب او الماضي البعيد.. وتصبح المسألة أكثر تعقيدا عندما تكون هذه الأزمنة كلها تدرس في مرحلة مبكرة وأحيانا في دروس متتابعة من دون إعطاء الفرصة لمراجعتها.
كما ركّز البرنامج على المعلومات من دون اهتمام بالمهارات. فاللغات ليست مواد معلوماتية مثل الجغرافيا والتاريخ التي ترتكز على المعلومات في تدريسها، بل تحتاج التركيز على تدريس مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.
كما خلت كتب المنهج تماما من خطة منهجية لتدريس القراءة أو الكتابة يمكن الاقتداء بها، وكان التركيز على الانتهاء من تدريس الكتاب بغض النظر عن أي أمور حيوية أخرى؛ كالاهتمام بمهارات اللغة. كما لم تلتزم الشركة التي تم التعاقد مع وكيلها في الكويت بعض بنود العقد الحيوية، ولا التقنيات المصاحبة للمادة، ولم تلتزم توفيرها. وعلى الرغم من أن العقد كان واضحا مع الشركة فإن «أمورا خاصة» حصّنت وضعها من اي نقد، فنال المشروع ما ناله من إهمال تسبّب تاليا في الإضرار بمستويات الطلبة في هذه اللغة، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.
وتقول الاستشارية إنه على الوزارة، إن كانت جادة بالفعل في أن يخرج طالب المدارس الحكومية من حفرة اللغة التي هو فيها، والتي تكلف الدولة الشيء الكثير، وضع منهج لغة إنكليزية عصري للمدارس الابتدائية يحظى بقبول الخبراء.
ويعتقد الكثيرون أن معارضة أتباع «حزب الإخوان» في التربية، لفكرة تدريس هذه المادة في مرحلة مبكرة كان له أثر كبير، ولا يزال، في عدم تقبل الطلبة لها كمادة حيوية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top