من روسيا.. مع الحب (1 – 2)
وجدت نفسي، بوعي أو من غير وعي، أمتطي الطائرة مع صديقين وثماني سيدات، تجاوز عمر أصغرهن الثلاثين عاما ببضع سنوات، أو هذا ما طُلب مني ذكره، في رحلة طويلة نسبيا لمدينتي موسكو وسانت بطرسبورغ الروسيتين.
لا أتذكر الآن كيف حدث ذلك، ولكنها كانت صدفة أفضل من عشرين ميعاداً وترتيب مسبق، حيث سارت الأمور بطريقة أفضل وأسهل مما توقعت. كانت هذه زيارتي الثانية لروسيا، ولكنها الأكثر متعة وفائدة، ومع هذا لم تكن مشبعة بما يكفي، بالرغم من كل ما شاهدت، وبالتالي لا بد من زيارة مطولة ثالثة لمدن روسيا الأخرى، فروسيا تتكون من عدة جمهوريات تحكم ذاتيا، ومناطق أقليات شبه مستقلة، وعدد آخر كبير من المقاطعات والمحافظات، كما تعتبر موسكو وسانت بطرسبورغ مدينتين اتحاديتين.
توجد في روسيا مناطق رائعة الجمال وشعب بسيط وصديق ومرحب للغريب، وتشكيلة جميلة من المطاعم العالمية والفنادق الفخمة والمتوسطة والبسيطة، والأسواق العامرة بمختلف السلع الرأسمالية، ومرابع واستراحات وكنائس ومساجد، وأشياء كثيرة جميلة أخرى تستحق بالفعل الزيارة، خاصة أن أسعار المواصلات والطعام والإقامة والخدمات الأخرى أقل مما هو سائد في مدن أوروبا الغربية، ولا تقل عنها في جودة مع حرية واضحة، وأمان أكثر يمكن الشعور به ولمسه بسهولة.
بدأ تاريخ روسيا الحديث عام 1721 مع أسرة رومانوف، عندما اعتلى القيصر الأشهر بطرس الأكبر، صاحب الإنجازات الكبيرة العرش، وانتهى حكم هذه الأسرة، وتاريخ القياصرة برمته بعد بضعة أشهر من قيام الثورة البلشفية عام 1917، عندما أعدم الثوار نقولا الثاني، آخر القياصرة وزوجته وولي عهده وبناته رمياً بالرصاص وحرقاً في حديقة البيت، الذي نفوا إليه في مدينة سيبيرية نائية، واستغرقت هذه المرحلة 300 عام تقريبا، لتبدأ المرحلة الشيوعية عام 1922 وتدون 70 عاماً تقريباً، وتنتهي بدورها عام 1991 مع تطبيق غورباشوف لسياسة البريسترويكا، أو إعادة الهيكلة، والغلاسنوست، أو الانفتاح، على العالم.
كانت موسكو عاصمة لروسيا طوال 900 عام تقريبا، قبل أن يقرر القياصرة نقلها الى سانت بطرسبورغ، ميناء روسيا التاريخي، ليعيد الشيوعيون السوفيت الاعتبار لموسكو عام 1917، مع نجاح ثورتهم.
تبلغ مساحة روسيا 17 مليون كلم2 (الكويت 18 ألف كلم2)، أي ضعف مساحة الولايات المتحدة، ومع هذا فإن مدنها الكبيرة والمزدهرة والشهيرة معدودة جدا، فبخلاف العاصمتين، القديمة والحديثة، ومدينة سوتشي السياحية على البحر الأسود، التي كانت قبل مئة عام مدينة شركسية في غالبيتها، قبل ان يطردهم الروس منها خوفا من ولائهم، كمسلمين، في حربها مع الدولة العثمانية.
في زيارتي الثانية لروسيا تمكنت من رؤية الجانب الأجمل من الشعب الروسي، الذي طالما بذلت الدعاية الأميركية الكثير من الجهد والمال، طوال عقود من الزمن، لتشويه صورته.
وإلى مقال الغد..
أحمد الصراف