الجمعيات التي خسرتني جهاراً نهاراً
كنت في بداية الثمانينات ضمن من سعوا من سكان منطقة الجابرية إلى تأسيس الجمعية التعاونية. فزت في أول انتخاباتها بأعلى الأصوات، فتم اختياري لرئاسة مجلس الإدارة بالتزكية، هنا تقدم لي المحامي مصطفى الصراف، وكان أحد المؤسسين، وسأل إن كان بإمكاني التنازل له عن الرئاسة، فقبلت ذلك من دون أسف.
بعدها ببضعة أشهر أخرى، زارني في لندن، حيث كنت أعمل، مؤسس آخر، وهو حيدر غضنفري، حسبما أذكر، وطلب مني التنازل عن رقم المساهم 1 لشخصية متنفذة، فلبيت طلبه، وأيضاً من دون أسف.
***
تأسست في كيفان عام 1962 أول جمعية تعاونية، وكانت الفكرة من ورائها دفع سكان المنطقة على التعاون والترابط بينهم، وتحقيق المصلحة للجميع. ولو استعرضنا أسماء أعضاء أول مجلس إدارة وما تبعه من مجالس لوجدناها صورة مصغرة عن مجلس الأمة في تنوعه، ولكن الطائفية والعنصرية ضربتا الفكرة تالياً، وأصبحت انتخابات مجالس إداراتها عنصرية ومذهبية بامتياز قبيح.
ثم وصل الفساد لها ونخر في جسدها، كما وصل لجسد «كل» الجهات الأخرى. ولا أعتقد أن هناك اليوم جمعية تعاونية سلمت من سرقة محتوياتها، وأرصدة حساباتها، أو تم التلاعب في أصولها.
ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً ونحن نسمع، شهرياً تقريباً، خبراً عن حل مجلس إدارة جمعية تعاونية أو إحالته للنيابة بتهمة السرقة أو التلاعب بأرصدتها، ولكن لم نسمع يوماً أن رئيس جمعية أو أمين صندوقها سجن بسبب دوره في السرقة، وكان السكوت عن كل فضيحة فساد دافعاً للغير لارتكاب فساد أكبر، وأصبحت الأموال المختلسة من بعض الجمعيات تتصاعد من مئات آلاف الدنانير لتصل أخيرا إلى مبلغ عشرة ملايين دينار!
وقد خسرت شخصياً الكثير نتيجة هذه السرقات، التي كنا دائماً نعرف الفاعل بالاسم ولكن لم يتم يوماً إدانته.
لقد تحولت بعض الجمعيات التعاونية إلى بؤر فساد يتحكم في مصير معظمها أناس جهلة أو عديمو الذمة والضمير، هدفهم إما الوصول للمجلس النيابي، عن طريق مجلس الجمعية، أو الإثراء غير المشروع، بحيث أصبحت هذه الجمعيات مصدر صداع دائم لكل وزير شؤون، ولا يبدو في الأفق أن المشكلة ستنتهي على خير، وبالتالي من الضروري التفكير في وضع حل جذري لخراب الجمعيات التعاونية، عبر الحزم الشديد في تطبيق القانون، أو تحويلها لشركات مساهمة يمتلك أسهمها أهالي المنطقة فقط، ويكون هناك سقف لحدود الملكية القصوى فيها، وبالتالي نمنع تحكم أحد ليس له مصلحة في مصيرها، ووزيرة الشؤون الحالية قد تكون الأقدر من غيرها على وضع الحل موضع التطبيق.
***
يقول سعيد ناشيد إن الفساد هو أن تعلم علم اليقين وبالأرقام، أن المجتمعات الأكثر تديناً في العالم هي أيضاً الأكثر فساداً، والأكثر هدراً للحقوق والأكثر تحرشاً بالنساء، واعتداء على الأطفال، ثم تقول للناس أن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين!
للعلم فقط، فإن غالبية الكويتيين أعضاء في الجمعيات التعاونية.
أحمد الصراف